الرئيسية / مقالات رأي / الغاز بعد الحبوب

الغاز بعد الحبوب

بقلم: يونس السيد – صحيفة الخليج

الشرق اليوم- بغض النظر عن تفاصيل اتفاق تصدير الحبوب الذي تم التوقيع عليه في إسطنبول، يوم الجمعة الماضي، فإنه يعد، دون شك، تطوراً مهماً وإيجابياً في حل أزمة الغذاء العالمي، ويؤشر إلى إمكانية فتح نافذة في جدار الأزمة الأوكرانية على الرغم من الصعوبات واستمرارية الحرب، فهل يكون موضوع الطاقة والغاز تحديداً خطوة ثانية على طريق حلحلة الأزمة؟

 في البدء، لا بد من القول.. إن كل الأطراف، سواء التي وقعت أو شاركت في جهود إخراج الاتفاق إلى حيز التنفيذ، كانت بحاجة ماسة إلى هذه الخطوة؛ إذ إن هذا الاتفاق يرفع الحرج عن روسيا، المتهمة بالتسبب بأزمة غذاء عالمية، وتضخم الأسعار وارتفاعها الجنوني، ويدحض اتهامات أوكرانيا لها بالمسؤولية عن هذه الأزمة عبر حصار موانئها، كما يؤكد أهمية الدور التركي في تقريب وجهات النظر، وإثبات جدوى العلاقة البناءة بين أنقرة وموسكو، وعدم الوقوع في شرك العقوبات على الرغم من الخلافات بينهما في ملفات عدة. وأخيراً يوفر الاتفاق فرصة للأمم المتحدة، التي ظهرت بمظهر العاجز عن تقديم أية حلول في سياق الأزمة، لاستعادة الدور الأممي إلى الواجهة.

 من الواضح أن روسيا التي تسعى إلى تغيير صورتها المشوهة، الناجمة عن اتهامات الغرب لها بالتسبب بكل الأزمات العالمية، تقود حراكاً سياسياً، لاستعادة الثقة المفقودة، وكسب الرأي العام الغربي. وحتى الآن، يبدو أن الروس نجحوا في خلخلة المواقف الغربية، وإحداث مناخ داخل الكثير من دول الغرب ليس في مصلحة الحكومات الداعمة لأوكرانيا، ومن مؤشرات ذلك، إسقاط بعض الحكومات، على هذه الخلفية كما في إيطاليا وبريطانيا. ولأول مرة منذ فرض العقوبات الغربية على روسيا، نشهد، في الواقع، كسراً لهذه العقوبات، عبر رفع بعضها بدلاً من تشديدها؛ وذلك بسبب مبالغة الغرب في فرض هذه العقوبات، واكتشافه أن بعضها يلحق الضرر به أكثر مما يلحق الضرر بروسيا.

 وهكذا سارعت الولايات المتحدة إلى رفع جميع العقوبات المفروضة على الغذاء والأسمدة، قبل أن تلحق بها أوروبا وترفع العقوبات عن كل الصادرات الزراعية والأسمدة، التي تبين أنها كانت تشكل نحو 30 في المئة من الصادرات الروسية لها. ويرى بعض المراقبين أن تراجع أوروبا عن بعض العقوبات المفروضة على روسيا، خُطط له جيداً، لكنه يعد مؤشراً مهماً على محاولات تلطيف الموقف الأوروبي من روسيا في قطاع النفط والغاز مع اقتراب فصل الشتاء؛ إذ كانت هناك الكثير من المخاوف حول إغلاق كامل ل«السيل الشمالي -1» بعد الصيانة التي أُجريت، لكن سرعان ما عاد تدفق الغاز الروسي عبر هذا الخط، لإضفاء مصداقية على الحديث الدائر بشأن التنازلات الأوروبية في موضوع تصدير الحبوب والغذاء مقابل الطاقة.

 وبالعودة إلى «اتفاق إسطنبول» لتصدير الحبوب، وما واكبه من رفع لبعض العقوبات الغربية، فإنه يمثل خطوة مهمة في إشاعة جو إيجابي، قد يمهد لخطوات أخرى، وبداية عمل مشترك بين روسيا وأوروبا، ربما يؤدي إلى إنهاء الحرب الأوكرانية، وإعادة صياغة الأمن الأوروبي بما يحقق السلام والاستقرار للقارة العجوز.

شاهد أيضاً

روسيا التي لا تساند أحداً… علاقة غير عادلة مع إيران

بقلم: يوسف بدر – النهار العربي الشرق اليوم– في مقالته في صحيفة “وول ستريت جورنال” …