الرئيسية / مقالات رأي / روسيا.. وتمدد “الناتو”

روسيا.. وتمدد “الناتو”

بقلم: الحسين الزاوي – صحيفة الخليج

الشرق اليوم- تُشرف الحرب الروسية في أوكرانيا على إتمام شهرها السادس، ويجري الترويج مع مرور الوقت للكثير من القراءات المتعلقة بمستقبل المواجهة بين روسيا والغرب، ومآلات ما تسميه موسكو بالعملية العسكرية الخاصة في شرقي أوكرانيا، ومصير الحرب بالوكالة التي ينفذها حلف الناتو ضد روسيا فوق التراب الأوكراني؛ وتتم بناء على ذلك بلورة العديد من التصورات بشأن مسألة تمدّد حلف الناتو في أوروبا، حيث يعتبر الرأي الأكثر انتشاراً هو ذلك الذي يذهب إلى القول إن الحرب الروسية في أوكرانيا كانت لها نتائج عكسية، لأنها، وعوضاً عن أن تمنع توسّع حلف الناتو، فإنها دفعت دولاً أخرى إلى الانضمام إليه، وجعلته أكثر قوة وتماسكاً ممّا كان عليه قبل بداية الحرب.

 ويشير الباحث ميشال غينيك في مقال نشر سنة 2008 إلى أن علاقات روسيا مع واشنطن و”الناتو” وأوروبا، شهدت تدهوراً كبيراً خلال سنة 2007، وكانت الأجواء حينها تشبه إلى حد بعيد أجواء التصعيد التي سبقت الحرب الروسية في أوكرانيا، الأمر الذي يدعم التحليلات التي تستنتج أن الحرب الراهنة تمثل تمظهراً جديداً لحرب كانت كامنة بالقوة، وكان من الممكن أن تندلع منذ 15 سنة خلت، في مرحلة كانت فيها موازين القوى تميل بشكل صارخ لمصلحة الغرب؛ فقد وصلت في حينها المفاوضات الروسية الأمريكية إلى طريق مسدود بشأن العديد من الملفات، من بينها نشر المنظومة الصاروخية الدفاعية الأمريكية في أوروبا الوسطى، ومستقبل القوات التقليدية في أوروبا، والترسانة النووية والوضعية النهائية لكوسوفو، وهي ملفات مثّلت في مجملها ذرائع غربية لترسيخ حضور «الناتو» في أوروبا وتراجعاً موضوعياً في اللحظة نفسها لمشروع التكامل الأمني الأوروبي لمصلحة الهيمنة الأمريكية على القارة العجوز.

 ودفع هذا التوتر ديمتري مدفيديف، إلى القول، في 11 ديسمبر/ كانون الأول سنة 2007: “إن العالم قد عدّل من نظرته إلى روسيا، ولم يعد ممكناً إعطاءنا دروساً مثل طلاب المدارس، فالجميع يحترمنا، ونعلم أنه يتوجب علينا أن نعتمد على أنفسنا؛ لقد وجدت روسيا مرة أخرى مكانتها التي تستحقها في العالم”.

 وكان بوتين ندّد في مؤتمر ميونيخ في شهر فبراير/ شباط من السنة نفسها، بما وصفه الأحادية القطبية الأمريكية والتصورات النمطية الإيديولوجية وازدواجية المعايير الموروثة عن ذهنية القطبية، إضافة إلى عناصر أخرى تمثل قنابل لم تنفجر بعد، وأضاف أن هذه الأحادية القطبية تمثل المحرِّك الأساسي للسباق نحو التسلح، وهي أحادية تعبِّر عن نفسها من خلال استخدام القوة المفرطة وغير المشروعة في القضايا الدولية، ودعا بوتين إلى البحث عن توازن معقول لمصالح كل الفاعلين في سياق حوار دولي. وكان واضحاً من خلال كلامه في سنة 2007 أن روسيا مستاءة من تخطي الغرب لكل الخطوط الحمراء وإصراره على تمدد “الناتو” شرقاً.

 ويمكن القول إن ما يحدث اليوم من مواجهة عسكرية مباشرة هو نتيجة تراكم ناجم عن تضارب كبير في المصالح بين الغرب وروسيا، فقد رفض الغرب، منذ التسعينات من القرن الماضي، أن يوقف عملية توسيع حلف الناتو شرقاً، ونظر دائماً إلى روسيا بوصفها دولة ضعيفة اقتصادياً، لا تملك إمكانات تجسيد مشاريعها السياسية والعسكرية، وقال إنها تمثل نموذجاً لدولة استبدادية تعيش على ريع تصدير البترول والأسلحة؛ بينما ترى موسكو أن رغبة العواصم الغربية في جعلها دولة تابعة لنفوذها من خلال إلحاقها بمدارس تعليم أبجديات الديمقراطية على الطريقة الغربية، هو تهديد لهويتها الحضارية.

 أما القول إن الحرب الروسية كانت لها نتائج عكسية فإنه يبدو غير دقيق، لأن تمدّد حلف الناتو أصبح واقعاً ملموساً منذ نهاية القرن الماضي، عندما انضمت إليه بولندا ورومانيا، كما أن السويد التي كان يروّج لحيادها المزعوم، والتي تعتبر من أكبر الدول الغربية المصنِّعة للمعدات العسكرية في أوروبا، كانت تمثل جزءاً من المنظومة الأطلسية حتى قبل أن تنقل عضويتها من خانة القوة إلى دائرة الفعل. لذلك، فإن هناك من يقول في الجهة المقابلة إن روسيا لم يكن أمامها سوى تطبيق مقولة: عليك بتوسيع دائرة المواجهة إذا أردتها أن تضيق، لأنه من غير المعقول أن يظل الغرب، الذي لا يزيد عدد سكانه على المليار نسمة، متحكّماً في مصائر سبعة مليارات من البشر.

شاهد أيضاً

إسرائيل تختار الصفقة بدلاً من الرد الاستعراضي

بقلم: علي حمادة – صحيفة النهار العربي الشرق اليوم– تجنبت ايران رداً إسرائيلياً استعراضياً يفرغ …