الرئيسية / مقالات رأي / ماذا بقي من الآحادية القطبية؟

ماذا بقي من الآحادية القطبية؟

بقلم: سميح صعب – النهار العربي

الشرق اليوم – تعمل الحرب الروسية-الأوكرانية على تشكيل وقائع جيوسياسية وأخرى اقتصادية في مختلف أنحاء العالم. وعلى سبيل المثال أنها تصوغ العلاقات الدولية مجدداً على غير ما كانت عليه عند بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا في 24 شباط (فبراير) الماضي.

ويؤكد وزير الخارجية الأميركي سابقاً هنري كيسنجر أنه مع الغزو الروسي، فإن العالم “دخل في مرحلة جديدة”، رغم أن الولايات المتحدة ومعها بقية دول الغرب، لا تزال تتخذ وضعية الدفاع عن النظام الذي نشأ في مرحلة ما بعد سقوط جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفياتي وإنتهاء الحرب الباردة. ومن هنا كانت المسارعة إلى تسليح أوكرانيا ومدّها بكل أنواع الأسلحة المتقدمة التي يمكن أن تفشل الغزو الروسي، وتالياً تحجيم نفوذ موسكو إقليمياً وعالمياً والحد من قدراتها على شن أي مغامرة عسكرية ضد أي من جيرانها، والتسليم بالنظام العالمي القائم على الآحادية القطبية.

إنما في واقع الأمر، إن العالم الذي يأخذ في التشكل الآن، لا يزال في حاجة إلى المزيد من الوقت كي يتبلور. وصار من المسلّم به أن أوروبا تتغير بسرعة على وقع الحد من موارد الطاقة الروسية، وحكوماتها تحاول التأقلم مع الواقع الجديد، وتتهيأ لدفع ثمن باهظ للحرب من اقتصاداتها ومن مستودعات أسلحلتها. ولم يكن تفصيلاً عابراً أن يهبط اليورو كي يتساوى مع الدولار، للمرة الأولى منذ إعتماد معظم دول الاتحاد الأوروبي العملة الموحدة قبل عشرين عاماً، باعتبارها تتويجاً للنجاح الاقتصادي للاتحاد. 

أوروبا تتهيأ للدخول في ركود اقتصادي مع كل ما يمكن أن ينجم عن ذلك من تغييرات في السياسات الداخلية لدول القارة التي يثقل عليها النزاع الأوكراني ويزيد من ضعفها ضعفاً وهي لم تكد تتعافى من إغلاقات كورونا.

وليست أوروبا وحدها التي تتغير، فالحرب ترغم واشنطن أيضاً على إجراء مراجعة لسياساتها. فهي لم تعد قادرة على التفرغ للتصدي لتصاعد النفوذ الصيني في آسيا بعد الانهماك في أوروبا، وزادت إدارة الرئيس جو بايدن من وتيرة اتصالاتها بالحكومة الصينية، كي تتفادى نشوء نزاع في تايوان أو في بحر الصين الجنوبي، بينما الجبهة الأوروبية مشتعلة، ولا تبدو الفكرة عن قدرة أميركا على خوض صراع على جبهتين، بفكرة قابلة للتطبيق. وحتى مجرد التفكير بفرض عقوبات على الصين على الطريقة الروسية، سيجعل الاقتصادات الغربية وفي مقدمها الاقتصاد الأميركي تتضرر على نحو لا يمكن التنبؤ بعواقبه، وذلك نظراً الى التداخل العميق بين الاقتصادات الغربية واقتصاد الصين.  

وإذا كانت العقوبات على روسيا وحدها تركت كل هذا التأثير في الاقتصادات الغربية وجعلتها عرضة لموجة تضخم غير مسبوقة منذ عقود، فكيف سيكون عليه الحال في ما لو غامر الغرب بفرض عقوبات على ثاني اقتصاد في العالم.

يقودنا هذا إلى الفكرة الأساسية، ألا وهي التغيير الذي أملته الحرب الروسية-الأوكرانية على الولايات المتحدة نفسها. بايدن مرغم الآن على مهادنة الصين، وعدم التصعيد معها ما دام النزاع الأوكراني في ذروته ولم يتبين بعد في أي اتجاه يمكن أن تذهب الأمور. 

ولا تغيب جولة بايدن الشرق الأوسطية الحالية، لا سيما محطتها السعودية، عن التأثير العميق الذي أحدثته أوكرانيا في سياسة الإدارة الأميركية، التي تخلت عن مبدأ “إعادة ضبط” العلاقات مع الرياض، والعودة إلى سياسة التقارب مع دول الخليج العربية، في وقت تبدو مفاوضات إحياء الاتفاق النووي مع إيران في مهب الريح، وأوروبا في حاجة ماسة إلى كل قطرة نفط من أجل تعويض إنفطامها عن الطاقة الروسية. 

وبعد كل هذا، ألم يبت شرعياً الإقرار بأن العالم يتغير ويعاد تشكيله، على وقع الحرب الروسية-الأوكرانية، ولم يعد مجدياً الحديث عن النظام الذي كان قائماً قبل 24 شباط (فبراير)؟

شاهد أيضاً

روسيا التي لا تساند أحداً… علاقة غير عادلة مع إيران

بقلم: يوسف بدر – النهار العربي الشرق اليوم– في مقالته في صحيفة “وول ستريت جورنال” …