الرئيسية / مقالات رأي / أوروبا على أبواب مرحلة جديدة

أوروبا على أبواب مرحلة جديدة

بقلم:  زكريا الغول – النهار العربي

الشرق اليوم – كان لافتاً ما أعلنه المستشار الألماني أولاف شولتس من أنّ بلاده ستمتلك أكبر جيش تقليدي أوروبي في حلف شمال الأطلسي بفضل الأموال الضخمة التي قرّرت برلين استثمارها لتعزيز قدراتها العسكرية. وجاء تصريحه عقب انتهاء قمة مجموعة السبع، حيث قال زعيم الحزب الاشتراكي الديموقراطي إنّ ألمانيا هي اليوم، إلى جانب الولايات المتّحدة، التي هي “بالتأكيد أكبر مساهم” في حلف شمال الأطلسي. وأضاف أنه يجري حالياً بناء أكبر جيش تقليدي في أوروبا في إطار حلف شمال الأطلسي، وهذا أمر مهمّ للقدرات الدفاعية لحلف الأطلسي بأسره.

ولفت المستشار الألماني أيضاً إلى أنّ بلاده التي تمتلك أكبر اقتصاد في القارة الأوروبية تهدف من وراء هذه الاستثمارات إلى ضمان الدفاع عن أراضيها والوفاء بالتزاماتها تجاه حلف الأطلسي.

واللافت في الأمر أن التصريحات الصادرة عن المستشار الألماني تعتبر الأولى من نوعها  عن مسؤول ألماني وتتطرق لشأن عسكري، وتعتبر خارجة عن التقاليد الألمانية منذ ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وتشكّل أيضاً مسماراً أخيراً في نعش مؤتمر يالطا الذي عقد من 4 إلى 11 شباط (فبراير) عام 1945، لناحية نزع سلاح ألمانيا.

مما لا شك فيه أن الحرب الروسية على أوكرانيا أربكت القارة القديمة وقادتها، وأوقعت قلب القارة في أزمات متعددة، تمتد من أزمة تزويد دول غرب أوروبا بالغاز الروسي وصولاً إلى أزمة الغذاء العالمي، وبالتوازي مع التصريحات الألمانية بدت لافتة مسألة انضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي في كسر جديد لتقاليد أوروبية، إنما اسكندنافية هذه المرة، حيث صح القول إنّ بوتين فعل ما عجز عنه ستالين من قبل، في الإشارة إلى انضمام دولتي الشمال الاسكندنافيتين إلى الحلف الأطلسي.

إن الحرب الدائرة في أوروبا حالياً تعتبر الأخطر على مستوى القارة إن لم نقل على مستوى العالم منذ غزو هتلر لبولندا في الأول من أيلول (سبتمبر) عام 1939، فقد كسرت تقاليد عسكرية لمواجهة الخطر القادم من بلاد شرق القارة، وتكوّنت قناعة لدى الأوروبيين (بخاصة الغربيين منهم) أن الخطر يتمثل في قيصر روسيا وطموحاته في إنشاء إمبراطورية روسية، تتحكم بتزويد غرب القارة بالغاز، فضلاً عن طموحات أخرى في السيطرة على مضائق بحرية لكسر الخناق الأميركي – الغربي الذي تفرضه عليه الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون.

مرحلة الاستقرار العسكري في أوروبا المستمرة منذ العام 1945، وتحديداً منذ توقيع وثيقة الاستسلام الألماني في السابع من أيار (مايو) من ذلك العام، أعقبت مرحلة طويلة من الحروب التي دارت رحاها في كل أرجاء القارة العجوز، من الحرب العالمية الأولى وما انتهت إليه في مؤتمر الصلح الذي عقد في باريس، كما تلت مؤتمرات عديدة عقدت لحل الصراعات في أوروبا منها: مؤتمر برلين في العام  1878 (المخصّص لحل مشاكل أوروبا الداخلية)، ومؤتمر برلين في العام 1885 (المخصّص لتقاسم الحصص الاستعمارية بين الدول الأوروبية في أفريقيا).

إن التطورات في أوروبا تسير على وقع آلة الحرب والدمار الدائرة على الأراضي الأوكرانية، وهذه التطورات الميدانية قد تتداخل معها أزمات نفطية على أبواب خريف أوروبا، وما السعي الأوروبي إلى إيجاد بديل من إمدادات الغاز الروسي إلا مرحلة من مراحل الصراع بين روسيا ودول حلف شمال الأطلسي، ومع سعي بعض الدول إلى تفعيل المعامل الحرارية العاملة على الفحم الحجري يتأكد أن الصراع في أوروبا قد يكون طويل الأمد.

ما قام به بوتين من استعمال القوة العسكرية، وما أعقبه من سعي ألماني لبناء أكبر جيش في أوروبا، ودخول الدول الاسكندنافية ضمن حلف شمال الأطلسي إلا دليل على عودة أوروبية إلى الوراء، وتحديداً إلى زمن النزاعات والخلافات، فهل تحل أزمات القارة عبر المؤتمرات؟

شاهد أيضاً

إنصاف «الأونروا»

بقلم: وليد عثمان – صحيفة الخليج الشرق اليوم- لم تكن براءة وكالة الأمم المتحدة لغوث …