الرئيسية / مقالات رأي / قمة التصعيد الأطلسي

قمة التصعيد الأطلسي

بقلم: أحمد يوسف أحمد – صحيفة الاتحاد

الشرق اليوم- عُقدت مؤخراً القمة الأخيرة لحلف شمال الأطلسي (الناتو) التي قيل إنها أجرت أول مراجعة لاستراتيجية الحلف منذ عام 2010، بحضور أكثر من 40 من قادة الدول والحكومات. ووفقاً لأمين عام الحلف فإن أساس هذه المراجعة هو أن روسيا أصبحت التهديد الأكبر للحلف، فيما كانت -وفقاً للمفهوم السابق- شريكاً استراتيجياً. وبالنسبة للصين فلم تكن واردة في الحسبان أصلاً، أما الآن فقد اعتُبرت تحدياً لمصالح الحلف وقيم أعضائِه.

ويعكس ذلك التطورُ التدهورَ الراهن في العلاقات الدولية. ويُضاف إلى ما تميزت به هذه القمة، الخطواتُ الجديدةُ في عملية توسيع الحلف التي حققت طفرةً بعد تفكك الاتحاد السوفييتي وسقوط النظم التابعة له في أوروبا الشرقية. فقد أخذ الحلفُ في التمدد منذ ذلك الوقت حتى استوعب أعضاءَ حلف “وارسو” بالكامل، والذي كان يمثل الإطارَ التنظيميَّ للمعسكر السوفييتي، خصم المعسكر الغربي بزعامة الولايات المتحدة. بل لقد ضم الحلف ثلاث جمهوريات سوفييتية سابقة هي لاتفيا واستونيا وليتوانيا، وكانت قد انضمت للاتحاد السوفييتي بعد الحرب العالمية الثانية التي قام بدور رئيسي في تحقيق النصر فيها. غير أن قمة مدريد شهدت المزيد من خطوات توسيع الحلف بالبدء في إجراءات انضمام السويد وفنلندا، وهي خطوة اعتُبِرت إضافة لقوة الحلف وسلامة منطقه؛ أما القوة فلأن الجيش الفنلندي بالذات معروف بجودة تسليحه وتدريبه، وأما سلامة المنطق لدى الفرحين بهذا الانضمام فلأنه وضع نهايةً أكيدةً لنهج الحياد الذي كانت هاتان الدولتان تتبعانه، وهو نهج يتعارض الآن من وجهة نظر الحلف مع التهديدات التي جسدتها العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، ناهيك بحضور قادة اليابان وكوريا الجنوبية واستراليا ونيوزيلندا هذه القمة، مما يشير إلى أن اهتمام الحلف بات يتعدى المحيط الأطلسي.

ولقد مثَّلت التطوراتُ السابقةُ مصدراً للزهو لدى أنصار الحلف، فضلاً عن زهو سابق بتكريس وحدة الحلف في مواجهة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا بعد أن كان قد تعرَّض في السنوات الأخيرة لأكثر من أزمة حقيقية طالت حيناً العلاقة بين القيادة الأميركية للحلف والدول الأوروبية، وبالذات في عهد ترامب، وحيناً آخر بين أعضاء الحلف، كما في الخلاف الفرنسي التركي.

غير أن هذه التطورات المُبْهجة لأعضاء الحلف وقيادته تثير قلقاً بالغاً بين المهتمين بتعزيز السلم والأمن الدوليين، ذلك أنها تمثل استمراراً لمنطق عسكرة العلاقات الدولية الذي أفرزَ الصراعَ العالميَّ الحالي على الأرض الأوكرانية. وإذا كان أنصار الحلف سعداء بالإنجازات التي تمت باعتبارها تمثل تحصيناً له في مواجهة تهديدات حقيقية، فإن أنصار السلام من ناحية أخرى يرون أن هذه التهديدات لم تكن لتحدث لو ساد منطق آخر غير منطق العسكرة الراهن، فلو كان الحلف قد استجاب للهواجس الأمنية لروسيا لما وقع التهديد أصلاً. وقد مرت سنوات كان التعايش فيها بين روسيا والحلف ممكناً بل كانت ثمة شراكة استراتيجية بينهما.

وحتى لو اعتبرنا أن ضم روسيا لشبه جزيرة القرم كان بادرة سلبية فلا يجب أن ننسى من ناحية أخرى المحاولات التي تمت لتغيير الأوضاع في أوكرانيا على نحو غير مواتٍ للمصالح الروسية. والأغرب أن الحلف يغامر بإدخال الصين في دائرة التحديات التي تواجهه، وهو ما استدعى ردود أفعال صينية قوية استهجنت هذه الخطوة.

والخلاصة هي أن الإصرار يبدو واضحاً على الاستمرار في منطق الاستقطاب والعسكرة مع أنه لم يُفْض إلا إلى ما نشاهده من دمار متبادل. والغريب أن دروس خبرة استقطاب ما بعد الحرب العالمية الثانية تفيد بأنه لا بد من الانفراج والوفاق وإن طال التوتر وتفاقمت الصراعات.. فلماذا الإصرار على منطق التصعيد؟

شاهد أيضاً

إسرائيل لم تُغلق ملف الهجوم الإيراني بل افتتحت “المقايضة”!

بقلم: فارس خشان – النهار العربي الشرق اليوم- يبدو جليًّا أنّ البيت الأبيض وعد إسرائيل …