الرئيسية / مقالات رأي / ولادة صعبة لحكومة لبنانية

ولادة صعبة لحكومة لبنانية

بقلم: خليل حسين – صحيفة الخليج

الشرق اليوم- ليست سابقة في الحياة السياسية اللبنانية أن تدخل عملية تشكيل الحكومة نفقاً غير محدد المعالم والمخارج، لا سيما وأن التكليف هذه المرة مرتبط بعوامل كثيرة واستحقاقات تُبنى عليها ملفات نوعية لها علاقة ببنية لبنان ومستقبله وكيانه “الجيوسياسي” في المنطقة.

وفي حقيقة الأمر، جاء تكليف رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، بتشكيل حكومة جديدة في ظروف ملتبسة، لجهة حجم التأييد المتواضع الذي حققه، وهي سابقة في تاريخ رؤساء الحكومات المكلّفين، ما يؤشر إلى دلالات رمزية نوعية لجهة محاولة تشتيت قرار هذا الموقع في الاستحقاق القادم، وبالتحديد انتخاب رئيس جديد للجمهورية في نهاية أكتوبر/تشرين الأول القادم؛ إذ ظهر حجم التكليف لتشكيل الحكومة خارج “الميثاقية المعتادة” أو المفترضة في مثل هذه الحالات.

إضافة إلى ذلك، ثمة ما يشير إلى ازدياد منسوب القضايا المتصلة بعرقلة التشكيل، وهو أمر سيزيد ضبابية الواقع القائم حالياً، ويعزز فرضية بقاء حكومة تصريف الأعمال وصولاً إلى استحقاق الانتخاب الرئاسي، وربما لما بعده، وهو أمر سيثير إشكالات دستورية وميثاقية لجهة تسلّم حكومة تصريف أعمال مهام وصلاحيات رئيس الجمهورية، وهو أمر لن يقبل به طرف وازن في الحياة السياسية اللبنانية.

وعلى الرغم من أن ثمة سيناريوهات مطروحة لإخراج تشكيل حكومي مقبول، فإن ثمة من يتعلق بضمانات متصلة بانتخاب الرئيس، وتنطلق من حسابات محددة في نوعية الحكومة وحجمها وتوزيع مراكز الثقل داخلها، باعتبارها ستدير السلطة في حال الفراغ الرئاسي، وهو إذا ما حدث لن يكون قصيراً؛ إذ من السهل ربطه بقضايا إقليمية ودولية لزيادة الاستثمار فيه، لا سيما وأن اللاعبين فيه كثراً.

إن عملية تشكيل الحكومة التي يحاول الرئيس نجيب ميقاتي الوصول إليها، ليست سهلة البتة؛ بل تواجهها عقبات من الصعب تجاوزها دون تقديم تنازلات متبادلة من أطراف باتت تشكل أكثريات متعددة تحتاج إلى تعاون متبادل ودقيق بينها، للتوصل إلى حل ما، وفي وقت مضغوط لا ترف ولا تسامح فيه.

وهذا يجري أيضاً في ظل محاولة البعض التعفّف عن المشاركة أو مضاعفة البعض الآخر لحجم مطالبه، في حين لا يمتلك الرئيس المكلف وسائل الضغط الكافية لتمرير تصوّره لتشكيل الحكومة في موعدها الطبيعي.

في مختلف حقب تاريخ لبنان السياسي ظل استحقاق الانتخاب الرئاسي موضع تصعيد لم يتمكن أي أحد من تجاوزه، وثمة حالات اقترنت مع أزمات حكومية حادة، تحولت مع الوقت من أزمات حكومية، إلى أزمات حكم، أدت في ما بعد، إلى إعادة تركيب النظام على عقد سياسي اجتماعي جديد كان بمثابة سلم أهلي بارد، سرعان ما تتحول ظروفه إلى انقسامات عمودية مرعبة، هددت بحروب أهلية.

صحيح أن ما يُجمع اللبنانيون عليه، هو اعترافهم بضرورة التوصل إلى حلول وسطية سريعة، لكن وسائل التوصل إليها لم تكن متاحة بسهولة، وفي كثير من الحالات أوجدت شرخاً قوياً وواضحاً، وخاصة في أوساط تعتبر نفسها الأكثر قدرة على تخطي مثل تلك المصاعب.

يمر لبنان اليوم بظروف هي الأشد قسوة في تاريخه الحديث والمعاصر، حيث الاستثمار الخارجي في الواقع اللبناني تخطى المعقول، وحيث يدفع فيه اللبنانيون أثماناً باهظة جداً، ويدركون في سرهم أن التسوية قادمة، فهل سيكون تشكيل الحكومة مدخلاً لحل ما يتم العمل عليه سراً؟ أم إن الظروف الإقليمية والدولية لا زالت غير مهيأة، وبالتالي من مصلحة هذه الدول بقاء الوضع القائم على ما هو عليه، باعتباره أنسب الممكن حالياً.

شاهد أيضاً

أحلام مقتدى الصّدر وأوهام مناصريه

بقلم: فاروق يوسف- النهار العربيالشرق اليوم– عندما يُشفى العراقيون من عقدة اسمها مقتدى الصدر يكون …