الرئيسية / مقالات رأي / العلاقات المصرية الخليجية

العلاقات المصرية الخليجية

بقلم: مصطفى الفقي- صحيفة الخليج

الشرق اليوم– تمتد جذور العلاقات التاريخية بين مصر والدول الخليجية لأكثر من قرنين من الزمن عندما كانت “الإمارات المتصالحة” تسمع عن مصر وترتبط بها عن بعد، وتلتقي بأبنائها في موسم الحج واحتفالات وصول المحمل النبوي الشريف كل عام، وقد تكوّن لدى الدول الخليجية انطباع إيجابي مع مصر، فمع ندرة من زاروها من دول الخليج في القرن التاسع عشر إلا أن شعوراً بالتعاطف ترسخ لديهم تجاه الدولة المصرية، بينما تميزت العلاقات بين منطقة الحجاز ومصر بشكل خاص، لكونها أكثر توثقاً بسبب الجوار الجغرافي؛ حيث لا يفصل بينهما إلا البحر الأحمر. وكان المصريون في ذلك الوقت يتحدثون عن بر مصر وبر الشام وبر الحجاز، وقد كان ذلك هو الحد الأقصى في الجوار الجغرافي، فضلاً عن العلاقات مع السودان والتي تمتد لتصل مصر بمنابع النيل.

خلاصة القول إن العلاقات المصرية الخليجية في ذلك الوقت كانت ثقافية تعليمية بالدرجة الأولى، ولم تكن هناك حواجز تمنع من التواصل بين مصر وتلك الدول؛ بل على العكس سعت العائلات الخليجية في فترة زمنية مبكرة إلى طلب العلم لأبنائها في المدارس المصرية أو على الأقل وفقاً لنظام التعليم المصري وهم في بلادهم، وظهرت أجيال تشعر بولاء وارتباط بالشعب المصري وباتت مصر هي وطنهم الثاني لأن البلد الذي تعلم فيه أو منه الشخص يصبح تلقائياً امتداداً تالياً لوطنه الأول.

وقد سعت البعثات التعليمية من وزارة المعارف العمومية في مصر وبعض المعاهد الأزهرية إلى دول الخليج أيضاً تعليماً وتثقيفاً حتى وصلت الصحافة المصرية إلى دول الخليج عبر الشام والعراق وبدأ ميلاد العروبة الثقافية التي تربط أجزاء العالم العربي شرقاً وغرباً، ويهمني هنا أن أوضح النقاط التالية:

*أولاً: إن علاقات مصر بدول الخليج لم ترتبط بالثورة النفطية؛ بل سبقت ذلك بعشرات السنين عندما كان العثمانيون يبسطون نفوذهم على دول المنطقة بغير استثناء، وعندما وصل البريطانيون إلى الخليج العربي كان ذلك إيذاناً بالمزيد من العلاقات الوثيقة بين مصر ودول الخليج، ثم بدأت حركة الشريف حسين قبيل الحرب العالمية الأولى؛ حيث وعد الحلفاء أمير مكة بأن ينصبوه ملكاً للعرب في حال تحالفهم ضد الحكم التركي والإمبراطورية العثمانية التي كانت تبدو في النزع الأخير من عمرها، وبانتهاء الحرب نكص الحلفاء بوعودهم ولم يعطوا العرب شيئاً؛ بل على العكس بدأوا في التقسيم الاستعماري لدويلات عربية على حساب المضمون الكبير لمفهوم العروبة.

*ثانياً: إن العلاقات المصرية السعودية كانت هي القاطرة التي ربطت بين دول الخليج ومصر، ذلك أنها علاقات ذات خصوصية وتبعتها علاقات مع دول أخرى خليجية اتجهت إلى مصر خصوصاً بعد ميلاد دولة الإمارات العربية المتحدة وازدهار الوضع في الكويت وبروز التأثير السياسي لكل من قطر والبحرين وعمان، فازدادت العلاقات المصرية الخليجية بالتالي وثوقاً وارتباطاً، وأنا أتذكر أن أبناء الكويت خرجوا إلى الميادين يتطلعون للمجال الجوي لبلادهم حينما كان عبد الناصر يعبره عائداً من زيارة للهند وباكستان في نهاية خمسينات القرن الماضي، وذلك اعتزازاً بالزعيم الصاعد الذي دعمه الخليجيون أثناء العدوان الثلاثي عام 1956 وزادوا على ذلك كثيراً أثناء حرب 1967.

وجدير بالذكر أن ثلاثة أو أربعة من أبناء الملك عبد العزيز ممن أصبحوا ملوكاً في الرياض كانوا متطوعين في الجيش المصري إبان العدوان الثلاثي الذي صاحب حرب السويس عام 1956، وهنا نود التأكيد على أن العلاقات المصرية الخليجية كانت دائماً بعيدة عن التأثيرات السياسية وقريبة من الروابط الثقافية لذلك اتصفت بشيء من الاستقرار، على الرغم من كل الأحداث الطارئة والسحب التي عبرت على العلاقة بين مصر وبعض الدول الخليجية.

*ثالثاً: لا شك أن العلاقات الدينية ووجود الأزهر الشريف كانت هي الأخرى إحدى حلقات العروة الوثقى في كثير من المراحل التي سعى فيها أبناء الخليج العربي إلى مصر أو سعت مصر إلى أشقائها هناك؛ بل إن سنوات القطيعة الدبلوماسية بين مصر والدول العربية في أعقاب توقيع اتفاقيات كامب ديفيد ومعاهدة السلام مع إسرائيل لم تكن بنفس الحدة مثلما كان الأمر بين مصر ودول المشرق العربي.

 ويكفي أن نتذكر أن سلطان عمان الراحل رفض أن يقطع العلاقات مع مصر مؤمناً بأن قرار الحرب وقرار السلام كلاهما قرار سيادي لا يجب العقاب بسببهما، ولقد استمر التواصل الإنساني والثقافي بين دول الخليج ومصر في كل الظروف متخطياً كل العقبات؛ إذ تستضيف دول الخليج بما فيها المملكة العربية السعودية ما يزيد على مليوني مصري يعملون في مختلف الأنشطة والوظائف لديهم ويحظون في العموم بمعاملة طيبة إلى حد كبير.

هذه إطلالة عاجلة على جوهر العلاقات المصرية الخليجية التي تتنامى دائماً والتي برز فيها الدور المصري عند غزو صدام حسين للكويت، كما برز الدور الخليجي في مساندة مصر في كل حروبها وكافة أزماتها.. إنها صلات لا تنقطع أبداً.

شاهد أيضاً

إسرائيل تختار الصفقة بدلاً من الرد الاستعراضي

بقلم: علي حمادة – صحيفة النهار العربي الشرق اليوم– تجنبت ايران رداً إسرائيلياً استعراضياً يفرغ …