الرئيسية / مقالات رأي / أمريكا وبريطانيا.. طريقتان في معاقبة القادة!

أمريكا وبريطانيا.. طريقتان في معاقبة القادة!

بقلم: ند تيمكو – صحيفة الاتحاد

الشرق اليوم- أوجه الشبه قوية: على أحد جانبي المحيط الأطلسي لدينا الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وعلى الجانب الآخر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون.. سياسيان يخرقان القواعد بشكل لافت للنظر، وكلاهما اختبر بشدة مرونة أقدم ديمقراطيتين في العالم الغربي. لكن الأحداث التي جرت الأسبوع الماضي في لندن، حيث نجا جونسون بصعوبة من تصويت بحجب الثقة من قبل زملائه في حزب المحافظين في البرلمان، سلَّطت الضوءَ على الاختلافات الرئيسية في كيفية استجابة كل دولة للقادة الذين يتمتعون بكاريزما والذين ينتهكون الضمانات الراسخة في الحياة العامة ويعدون بـ”إنجاز الأمور” وفق شروطهم الخاصة. والمثير للدهشة هو أن بريطانيا هي التي تبدو أكثر استعداداً للصمود في وجه العاصفة. ظاهرياً، ربما بدت الولايات المتحدة أكثر استعداداً للاستجابة، بالنظر إلى شبكتها من الضوابط والتوازنات المقننة.

واعتمدت الديمقراطية البريطانية التي تفتقر إلى دستور مكتوب، على سابقة وتقاليد وافتراض أن السياسيين من جميع الأطراف سيلتزمون بها. لكن ليست الحواجز المؤسسية للحكومة البريطانية، ولا حتى أعضاء البرلمان الذين حاولوا الإطاحة به، هي التي أدت إلى تراجع نفوذ جونسون السياسي، بعد عامين فقط من قيادته لحزبه للحصول على أكبر أغلبية برلمانية له منذ أكثر من ثلاثة عقود.

وبدلا من ذلك، فإن البريطانيين العاديين، من جميع الأحزاب والمناطق، هم الذين أثبتت استطلاعات الرأي الأخيرة تحول حكمهم. وهذا لا يرجع أساساً إلى مسائل تتعلق بالسياسة، بل يعود بالأحرى إلى قضايا السلوك الشخصي والقيم الأخلاقية. وعلى الرغم من أن ذلك قد يكون له وقْع غريب على الآذان الأمريكية، إلا أن رد الفعل الشعبي يبدو أنه إعادة تأكيد لما يحب البريطانيون وصفه بـ”اللعب النظيف”، وإحساس مقبول على نطاق واسع بما هو صحيح ومناسب لأن يقوله ويفعله قادتُهم السياسيون.

كان الحافز الرئيسي هو سلسلة حفلات في 10 داونينج ستريت أثناء الإغلاق بسبب الوباء، في انتهاك للقواعد التي أملاها جونسون نفسُه والتي منعت المواطنين حتى من زيارة أفراد أسرهم في المستشفيات ودُور الرعاية. وزاد جونسون الأمورَ تعقيداً بالنسبة له مع الإنكار المتكرر في البرلمان فيما يتعلق بإقامة هذه الحفلات، وهو إنكار لم تصدقه الشرطة التي أصدرت سلسلة من الغرامات، بما في ذلك غرامة لرئيس الوزراء نفسه، لتجاهل اللوائح القانونية.

وهذا يعني أنه ضلل البرلمان، وهو انتهاك خطير ردَّ عليه بالإصرار على أنه لم يفعل ذلك “عن قصد”. ومن غير الواضح ما الذي سيعنيه كل هذا بالنسبة لمستقبل جونسون. فهو ما يزال رئيساً للوزراء، وعلى الرغم من الحرج الذي تعرَّض له بعد إفلاته بالكاد من تصويت بحجب الثقة، فإنه يمكن أن يتشبث بكرسي الحكم رغم أن أكثر من 4 من كل 10 من نوابه صوتوا للإطاحة به.

لكن بينما فشلت الأحكام الدستورية الواضحة في واشنطن بشأن المساءلة الرئاسية في إقالة ترامب، فإن الشعور الغامض في لندن بأنه يجب على رئيس الوزراء أن “يفعل الشيء الصحيح” قد يثبت سقوط جونسون في الأشهر المقبلة. وإذا كان الأمر كذلك، فمن المحتمل أن يتحدد مصيره من خلال حقيقة أن الناخبين العاديين مقتنعون في الغالب بأن كلمة جونسون لا يمكن الوثوق بها.

وهناك تناقض صارخ بين موقفه وموقف رفيقه السياسي على الجانب الآخر من المحيط. هذا لأن نفوذ ترامب أضعف مما كان عليه عندما كان في منصبه. وقد يواجه تحديات قانونية أو سياسية تتعلق بتعاملاته التجارية أو بشكل أكثر جدية، هجوم مؤيديه على مبنى الكابيتول الأميركي في 6 يناير من العام الماضي. لكنه يحتفظ بقبضة قوية على الحزب الجمهوري. وعلى عكس جونسون، لا يبدو أن أي شيء قاله أو فعله قد أضعف جاذبيته لعدد كبير من أنصاره على مستوى القاعدة. ويشير ذلك إلى اختلاف جوهري أكبر بين الأجواء السياسية في كلا البلدين.

فطالما أن ترامب يحتفظ بقاعدة كبيرة من الناخبين الجمهوريين، فمن الصعب تصور عدد كبير من السياسيين في حزب المحافظين يفكرون في القيام بتمرد كالذي شنه ترامب. وفي الوقت نفسه، أدى الانقسام الحاد في الولايات المتحدة إلى الحد من احتمالية إيجاد أرضية مشتركة عبر الخطوط الحزبية.

وبريطانيا أيضاً منقسمة بشدة، كما يتضح من استفتاء 2016 الذي أجري لإنهاء عضوية البلاد التي استمرت عقوداً في الاتحاد الأوروبي. لقد تزعم جونسون تلك الحملة، لكن التحرك ضده في البرلمان هذا الأسبوع يشير إلى أن المزاج العام قد تغير وأنه، على عكس الولايات المتحدة، قد تتجاوز المخاوف بشأن البوصلة الأخلاقية لرئيس الوزراء قضايا السياسة أو الولاءات الحزبية.

وبالكاد يمكن أن تتناقض سمعته بشكل أكثر وضوحاً مع هيبة نجمة نهاية الأسبوع الماضي الشهيرة، الملكة إليزابيث الثانية التي كانت تحتفل باليوبيل البلاتيني لاعتلائها العرش. شارك ما يقرب من 20 مليون شخص في حفلات الشوارع وغيرها من الاحتفالات في جميع أنحاء البلاد تكريماً لحكمها الذي دام 70 عاماً وتصميمها على إبقاء النظام الملكي فوقَ الصراع الحزبي. وعندما وصل جونسون إلى كاتدرائية القديس بولس لحضور صلاة الشكر بمناسبة اليوبيل، لم يجد ترحيباً كافياً من الجمهور.

شاهد أيضاً

عند الأفق المسدود في غزة

بقلم: عبدالله السناوي – صحيفة الخليج الشرق اليوم- استغلقت حرب غزة على أي أفق سياسي …