الرئيسية / مقالات رأي / علاج سوق السندات وكبح جماح التضخم

علاج سوق السندات وكبح جماح التضخم

بقلم: جيه. برادفورد ديلونغ – صحيفة “البيان”

الشرق اليوم – علينا أن نكون جاهزين لاحتمالات أزمات مستقبلية مفتوحة تترك جملة آثار اقتصادية خطيرة، وربما تصادفنا صدمات عرض سلبية إضافية في المستقبل، إذ لا يزال فيروس كورونا «كوفيد 19» قادراً على التحور ومواجهتنا بسلالات جديدة خطيرة ومُـربِـكة. وقد تنشأ ارتباكات أخرى نتيجة لاتساع نطاق الأزمة في أوكرانيا، أو تفاعل كارثي اقتصادياً لمتحورات فيروسية جديدة، فضلاً عن سياسة خفض حالات الإصابة بـ(كوفيد 19) إلى الصِـفر في الصين. مثل هذه التطورات قد تدفع التضخم إلى خارج نطاق السيطرة.

لكن حقيقة وجود مثل هذه المخاطر لا تعني أننا يجب أن نعيش حياتنا وكأنها حدثت بالفعل، وبهذا نتجاهل العالم كما هو على حقيقته حالياً. ولذا لا بد وأن ندرك أجدى طرق علاج التضخم في اقتصادنا الحديث، والذي يعد عملية غريبة تحركها التوقعات، كما تحرك توقعات التضخم مرتفع التدابير التي تؤكد صحة تلك التوقعات، مع تسبب الأجور الأعلى في ارتفاع أسعار المستهلك، والذي يؤدي بدوره إلى المطالبات بأجور أعلى، وهكذا إلى ما لا نهاية.

في يوم الجمعة الموافق السادس من مايو، توقعت سوق السندات أن يبلغ متوسط تضخم أسعار المستهلك في الولايات المتحدة %2.5 بين خمس وعشر سنوات من الآن. هذا هو معدل التضخم المطلوب لموازنة العائد على سندات الخزانة الأمريكية المربوطة بالتضخم وغير المربوطة به. ولأن تضخم مؤشر أسعار المستهلك كان أعلى من المعدل المرتبط بمعامل انكماش الأسعار الضمني للنفقات الاستهلاكية الشخصية، فإن حساباتي تشير إلى أن معدل %2.5 لخمس سنوات/‏‏ خمس سنوات آجلة يحقق هدف تضخم معامل انكماش الأسعار الذي حدده بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بنحو %2.

ماذا قد يتطلب الأمر إذن لإعادة الاقتصاد إلى معدل التضخم المستهدف من قِـبَل الاحتياطي الفيدرالي؟ بما أن معدل نقطة التعادل لخمس سنوات عند إغلاق السادس من مايو كان %3.22، فإن التوقع الضمني يتمثل في أن التضخم سيبلغ إجمالياً تراكمياً قدره 3.6 نقاط مئوية أعلى من هدف الاحتياطي الفيدرالي على مدار السنوات الخمس التالية. إذا لم يتسبب هذا في اختفاء مرساة التضخم في الاقتصاد، فإن أي انحراف بهذا الحجم سيكون ثمناً ضئيلاً للغاية يُـدفَع في مقابل التعافي السريع من الركود الذي أحدثته الجائحة. وإذا نجح التعافي في تحقيق التحول الاقتصادي البنيوي الذي نحتاج إليه، فإن هذا يعني أن التضخم الأعلى الذي شهدناه كان مفيداً.

على هذا، يبدو لي أن الاحتياطي الفيدرالي يجب أن يحتفل بالنصر. لقد فعل على وجه التحديد ما كان من الواجب عليه أن يفعل، من خلال تمكين اقتصاد أمريكا، حيث الأسعار والأجور والديون ثابتة، من العودة سريعاً أيضاً إلى النسخة الصحيحة من التشغيل الكامل للعمالة، حيث يعمل العمال في قطاعات تصنع منتجات عليها طلب أساسي حقيقي، بعد الصدمة. وقد فعل ذلك دون الإخلال بالثقة في النظام النقدي ومدى استقراره.

لماذا إذن يزعم رجل الاقتصاد الشديد الفطنة كينيث روجوف من جامعة هارفارد أن «الأمور خرجت عن نطاق السيطرة تماماً»؟ إذا جرى تحويلك عن مسارك المرغوب، ثم وجدت نفسك في وقت لاحق على طريق يمكنك أن تتوقع أن يعيدك إلى ذلك المسار، فأظن أن الطريقة الوحيدة لوصف هذا الموقف هي أنك «مسيطر على الوضع».

يوضح روجوف أن هناك «قدراً كبيراً من عدم اليقين»، وأنه «لن يقول أنا أعرف على وجه التحديد ما يتوجب علينا القيام به». لكن ملاحظته بأن التضخم «خارج عن السيطرة تماماً» ليس منطقياً إلا إلى الحد الذي قد يكون عنده على استعداد لإعلان أن سوق السندات وتوقعاتها الضمنية كانت خاطئة. آنذاك فقط يمكن أن يؤدي التطور المتوقع لسياسة الاحتياطي الفيدرالي إلى معدل تضخم أعلى كثيراً من %3.22 على مدار السنوات الخمس المقبلة، وإلى متوسط تضخم أعلى كثيراً من %2.5 لخمس/‏‏ عشر سنوات، لذات السبب.

من المؤكد أن هذا قد يحدث. إن الاقتصاد عالَـم مدهش، ونماذجنا وتوقعاتنا هي في النهاية مجرد تخمينات غير مدروسة. وقد يضطر الاحتياطي الفيدرالي إلى تغيير مساره بشكل كبير، بل ربما يضطر إلى إرسال الاقتصاد الأمريكي إلى ركود شديد في ظل أسعار فائدة أعلى كثيراً من أن تسمح بإعادة التضخم إلى مستواه المستهدف في الأمد المتوسط من خمس إلى عشر سنوات.

لكي تتحقق توقعات روجوف الضمنية، يجب أن يتوصل العاملون ورؤساء الأعمال إلى الاتفاق على الأجور. يفترض أن التضخم سيكون أعلى كثيراً من %3.2 خلال السنوات الخمس المقبلة وأعلى كثيراً من %2.5 للسنوات الخمس التي تليها. علاوة على ذلك، يجب أن يتم تثبيت اتفاقات الأجور التضخمية هذه من خلال عقود وترتيبات مؤسسية من شأنها أن تجعل من الصعب تعديلها نزولاً إذا تبين أنها بالغت في تقدير التضخم الفعلي. لكي يقوم العاملون ورؤساء الأعمال بذلك، يجب أن يكونوا على يقين تام من أن تجار السندات متفائلون بإفراط طائش، وأنهم حمائم في نظرتهم للتضخم على الرغم من الأدلة التي تشير إلى عكس ذلك.

ولكن هل يوجد أي سبب يحملنا على الاعتقاد بأن تجار السندات حمائم تضخم مفرطون في التفاؤل؟ هل هناك أي سبب يجعلنا نعتقد أن العاملين ورؤساء الأعمال يعتقدون الآن أن تجار السندات حمائم تضخم مفرطون في التفاؤل؟

لا أرى أي سبب من هذا القبيل.

شاهد أيضاً

أحلام مقتدى الصّدر وأوهام مناصريه

بقلم: فاروق يوسف- النهار العربيالشرق اليوم– عندما يُشفى العراقيون من عقدة اسمها مقتدى الصدر يكون …