الرئيسية / مقالات رأي / “الوحدة” الغربية تزيد الحرب الأوكرانية سوءاً

“الوحدة” الغربية تزيد الحرب الأوكرانية سوءاً

بقلم: بانكاج ميشرا – صحيفة الشرق الأوسط

الشرق اليوم- لم يتسبب أكثر من 100 يوم من الحرب في أوكرانيا في إثارة أزمات سياسية واقتصادية وبيئية متعددة فحسب، وإنما أدى الاجتياح الروسي الذي شنّه الرئيس فلاديمير بوتين كذلك إلى إحياء أوهام خطيرة في الغرب.

قبل بضعة أشهر، ضربت انقسامات حادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والعلاقات بينهما. وفي الوقت الذي طورت فيه ألمانيا، الدولة الرائدة في أوروبا، علاقة قائمة على المنفعة المتبادلة مع روسيا، كانت بولندا، وهي دولة في خط المواجهة متحالفة الآن ضد روسيا، تنزلق أكثر فأكثر نحو الاستبداد؛ ما دعا شركاءها في الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ إجراءات عقابية ضدها. أما المملكة المتحدة، فقادها رئيس وزراء من حزب المحافظين يُزعم أنه لم يقل الحقيقة، في الوقت الذي دخلت فيه الولايات المتحدة، التي تضررت جرّاء سياسات الرئيس السابق دونالد ترمب وجائحة أسيء إدارتها وكارثة عسكرية في أفغانستان، في جدال حول مدى احتمالية اشتعال حرب أهلية. ومن جهته، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن حلف الناتو يعاني من “الموت الدماغي”.

وبمجرد أن شنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هجومه، تسابق السياسيون والصحافيون الغربيون للإعلان عن أن هذه الانقسامات والصدوع تلاشت بأعجوبة. وبعد كيلهم الثناء لـ”الوحدة الغربية” وتجدد “العالم الحر”، بدا أنهم يقضون وقتاً في محاولة تحسين الصورة الذاتية للغرب، لا يقل عن الوقت الذي يخصصونه لدراسة كيفية الرد على نحو فاعل على اجتياح بوتين لأوكرانيا.

بطبيعة الحال، دائماً ما كانت الأفعال المشتتة النابعة من الشعور بالغرور محكوماً عليها بالفشل. لننظر على سبيل المثال إلى العقوبات، التي جرى الترحيب بها على نطاق واسع باعتبارها تظهر التصميم الغربي ضد البوتينية. ونظراً لأن سياسة العقوبات افتقرت إلى الفاعلية حتى في مواجهة الأنظمة التي لا تملك قوة تذكر مثل كوبا، فقد فشلت العقوبات كما هو متوقع في ردع الزعيم الروسي في الوقت الذي عرّضت مليارات البشر في جميع أنحاء العالم للتضخم الحاد والجوع.

كما جرى فرض تدابير عقابية إضافية بشكل انتقائي للغاية، مع التركيز على الحفاظ على وحدة الصف الغربي أكثر من الاهتمام بالتداعيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لعالم بالكاد يتعافى من عامين مدمرين للغاية بسبب جائحة «كورونا». ولا ينبغي أن يكون مفاجئاً أن تستمر معظم الدول، بما في ذلك حلفاء مقربون من الغرب مثل الهند وتركيا، في التعامل مع روسيا، أو أن ينتقم بوتين من خلال محاصرة الموانئ التي تزود العالم بالقمح والأسمدة.

الآن، وبعد أن باتوا مقتنعين بخطابهم حول قوة التحالف الغربي، يطالب السياسيون والمعلقون الأميركيون بتغيير النظام في موسكو وإضعاف روسيا بشكل قاتل، من دون الإشارة إلى كيف جاءت نتيجة مثل هذه الأوهام في العراق وأفغانستان وليبيا من قبل. في غضون ذلك، وبعد ثلاثة أشهر من الحرب، لا يبدو أن هؤلاء الأشخاص أنفسهم اقتربوا حتى من تحديد أهداف غربية واقعية داخل أوكرانيا.

في الواقع، لطالما كانت الخيارات المطروحة أمام الولايات المتحدة وأوروبا واضحة للغاية.

بمقدور الولايات المتحدة وأوروبا الوقوف بكامل ثقلهم خلف المقاومة الأوكرانية لروسيا، وتشديد العقوبات وسد أي ثغرات بها وقطع كل الدعم المالي لآلة بوتين الحربية.., أو يمكنهم التحرك قدماً نحو الواجب الذي لا مفر منه بالتحدث إلى أعدائهم وتقديم حوافز لكل من أوكرانيا وروسيا للتوصل إلى حل تفاوضي.

ولا يبدو الخيار الأول مثالياً على الإطلاق. والمؤكد أن الدول التي تعتمد على روسيا في احتياجاتها من الطاقة والغذاء لن تنهي علاقتها بموسكو بين عشية وضحاها – ولا حتى ألمانيا ستفعل ذلك. كما أن المواجهة العسكرية المباشرة المتزايدة مع دولة مسلحة نووياً أمر يفتقر إلى الحكمة.

ومع ذلك، فإن الخيار الثاني لا يجري الالتزام به بقوة في الوقت الحالي. وبذلك، نجد أن أوكرانيا لا تتلقى من الغرب الأسلحة التي تسعى إليها من أجل بذل جهود حربية أكثر جدوى، ولا تحصل كذلك على ما يخلق لديها دافعاً كافياً لتحقيق السلام من خلال الدبلوماسية.

أما ما نحصل عليه، وبغزارة، فهو دراما نفسية – لأقلية صغيرة ولكنها قوية من السياسيين والصحافيين الذين كانوا يحاولون حل أزمة الهوية في الغرب من خلال المبالغة الخطابية في إرادته وموارده ضد بوتين.

خلال السنوات الأربع التي قضاها في السلطة، حطم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب الفكرة التي ظهرت أثناء الحرب الباردة عن الغرب باعتباره حراً وديمقراطياً وعقلانياً. في أوروبا، أدت الحركات والشخصيات اليمينية المتشددة التي كانت معجبة ببوتين علانية إلى تشويش الصورة الذاتية الغربية التي تشكلت خلال المواجهة الطويلة مع الشيوعية الاستبدادية السوفياتية.

اليوم، تبدو روسيا الإمبريالية وكأنها تحيي هذه الهوية مثلما فعل الاتحاد السوفياتي ذات مرة. وتغذي التصريحات بأن “الغرب يجب أن يحافظ على رباطة جأشه”، حتى عندما يطارد الموت والدمار أوكرانيا، الشكوك بأن تحقيق لحظة تسودها وحدة الهدف والهوية أصبح أكثر أهمية للغرب عن تجنب كارثة إنسانية عالمية.

وغني عن القول، أن الافتراضات القديمة المتمثلة في وجود غرب فريد يمتلك قوة هائلة أو هيبة، أصبح من المتعذر الحفاظ عليها اليوم من خلال تحالف هش للغاية من الدول الغربية المنقسمة داخلياً على نفسها، مع سعي الشعوب الغاضبة إلى تحقيق مصائر اجتماعية وسياسية مختلفة على نطاق واسع.

صحيح أن العديد من أعضاء النخب السياسية والإعلامية في الغرب، ومعظمهم من الرجال البيض في منتصف العمر، اختبروا العالم بشكل أساسي باعتبارهم أصحاب الهيمنة عليه، إلا أن السنوات الماضية شهدت الكثير من التطورات المربكة – من بينها صعود الصين، التي تحرص دوماً على تذكير نفسها بالمذلة التي تعرضت لها على أيدي القوى الغربية، وعودة ظهور روسيا كقوة عظمى في مجال الطاقة.

في مواجهة مثل هؤلاء المنافسين الساخطين والعنيدين، لجأ الغرب بطبيعة الحال إلى الاحتماء بعدد من الشعارات السهلة، لكن السلام والاستقرار في العالم سيعتمدان على ما إذا كان الغرب المنقسم على نفسه اليوم يمكن أن يجد سبلاً أكثر جدوى للتعامل مع البقية.

شاهد أيضاً

هل تنجح طهران خارج محور المقاومة؟

بقلم: عادل بن حمزة- النهار العربيالشرق اليوم– دخلت منطقة الشرق الأوسط فصلاً جديداً من التصعيد …