الرئيسية / مقالات رأي / الأحزاب الجزائريّة المعارضة تبحث عن الاعتراف فقط

الأحزاب الجزائريّة المعارضة تبحث عن الاعتراف فقط

بقلم: أزراج عمر  – النهار العربي

الشرق اليوم- هل ستفضي اللقاءات التي شرعت في تنظيمها الرئاسية الجزائرية مع أحزاب المعارضة إلى حوار جاد وحقيقي؟ ولماذا أعاد حزب القوى الاشتراكية في الأسبوع الماضي، أثناء لقاء أمينه الوطني الأول ومعه عدد من قيادات هذا الحزب مع الرئيس عبد المجيد تبون، مضمون التصريحات نفسها التي كررها تقريباً ممثلو الأحزاب الأخرى قبل مدة قصيرة؟

في الواقع، فإن الرأي العام الجزائري لم يعد يهتم بتصريحات أحزاب المعارضة، لأن التجارب أثبتت للمواطنين الجزائريين عدم فعالية هذه الأحزاب، حتى عندما تنتخب في البرلمان بغرفتيه أو في المجالس البلدية والولائية، أو حين تُسند إليها الحقائب الوزارية في إطار التحالف الرئاسي، أو تنتفع من غنيمة المسؤوليات الحساسة بإيعاز من السلطة التي توظف كل ذلك من أجل استقطاب هذا الحزب أو ليّ ذراع حزب آخر معارض.

هذا الوضع ليس بجديد على مشهد التعددية الحزبية الجزائرية التي أنجبتها الأزمات النمطية، ووظفت بالتالي كواجهة لتسييرها بدلاً من حلها جذرياً، لذا ينبغي التذكير، مثلاً، بأن الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة كان يستخف بالأحزاب وقد احتواها، وتمكن على مدى عشرين سنة من حكمه من تحويل معظم أحزاب المعارضة الجزائرية إلى نمور من ورق، وكاد ينهي وجود التعددية الحزبية المعارضة جملة وتفصيلاً.

وفي عهد الرئيس الجزائري الحالي عبد المجيد تبون تبدو مواقف أحزاب المعارضة هشة، وتتميز بزهدها عن الفعل السياسي الميداني الحقيقي، وجراء ذلك أصبحت تختزل نشاطاتها في اللقاءات والاجتماعات الموسمية المغلقة حيناً، وحيناً آخر تناضل فقط بواسطة الانتقادات المحتشمة عبر وسائط التواصل الاجتماعي، وبخاصة بعد فشلها في قيادة الحراك الشعبي من أجل قلب المعادلة السياسية الجزائرية المهيمنة، وفرز قيادة بديلة تملك برنامجاً وطنياً يمكنها من إحداث تغيير جوهري في البنية القاعدية العميقة لطقوس السياسة الجزائرية.

في ظل هذا الجمود الفكري والعملي المزمن الذي يطبع أحوال أحزاب المعارضة، شرع الرئيس تبون في جس نبضها بواسطة دعوتها فرادى للتحاور في قصر الرئاسة.

وهنا نجد المراقبين السياسيين الجزائريين يتساءلون: هل تدخل لقاءات الرئيس الجزائري التي ما فتئ يعقدها مع قيادات مختلف تشكيلات الأحزاب، وفي المقدمة أحزاب المعارضة، في إطار استراتيجيات تدجين هذه الأحزاب، أم أنه يرمي فعلاً إلى تدشين  تقليد سياسي يرمي إلى بناء الشراكة السياسية والتشاور مع مختلف الأحزاب من أجل التوصل جماعياً إلى الحلول الناجعة للمشكلات التي تواجهها البلاد أمنياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً؟

من الملاحظ أن الذي تسرب عن هذه اللقاءات قليل جداً، ولا يتجاوز التصريحات التي تدور حول العموميات الجاهزة والمتكررة في معظم التصريحات الأخرى التي صدرت عن أحزاب الموالاة وعن أحزاب المعارضة على حد سواء.

وتتلخص هذه التسريبات، مثلاً، في سلسلة من العبارات التي وردت في الكلمات التي ألقاها تباعاً، منذ مدة قصيرة، حزب “جيل جديد” برئاسة جيلالي سوفيان الذي قال عن نتائج لقائه الرئيس تبون إن “مضمون اللقاء كان واسعاً، وتمّ خلاله التطرق لعدد من القضايا”، وإنه “حان الوقت لتبادل الرأي والـدفاع عن وحدة الوطن”، ومن ثم رئيس حزب “حركة البناء الوطني الإسلامي” عبد القادر بن قرينة الذي أبرز أن “اللقاء كان في إطار الحوار الذي يجريه الرئيس مع مختلف المكوّنات السياسية، وتم الاتفاق على ضرورة تمتين الجبهة الداخلية وتجريم تمزيق النسيج المجتمعي” وهلم جرّا. أما الأمين الوطني الأول يوسف أوشيش، فقد صرح يوم الخميس الماضي بعد انتهاء اجتماع قيادة حزبه “الأفافاس” مع الرئيس تبون، بأن “مبادئ حزبه لا تزال حية وتتمثل في المشروع الوطني الديموقراطي”، وبأنه يسعى من أجل تفعيل “المشاريع والمبادرات بخصوص الإجماع الوطني، على أساس حوار شامل”، فضلاً عن “التمسك بالطابع الاجتماعي للدولة في ظل التآكل غير المسبوق للقدرة الشرائية”. وأكد أن حزبه (القوى الاشتراكية) طالب بإجراءات اقتصادية واجتماعية مستعجلة، ترفع مستوى معيشة المواطن وتصون كرامته.

في هذا السياق، يرى مراقبون سياسيون جزائريون، وهم محقون في ذلك، أن أحزاب المعارضة الجزائرية التي اجتمعت حتى الآن مع الرئيس تبون تبحث عن الاعتراف من مؤسسة الرئاسة أكثر من كونها تعمل على إجراء حوار مسؤول وعميق من أجل التوصل إلى تصور مشترك، يمكن أن ينعش المناخ السياسي الجزائري ويحقق مطالب المواطنين، ومنها القضاء على عناصر الأزمة البنيوية المتمثلة في البطالة، وتدهور مستوى القدرة الشرائية، وتخلف المنظومة التعليمية بكل أنواعها، وفساد المسؤولين، وكثير منهم في السجن، وبطء حركة الإدارة وبدائيتها، والأمية القانونية والسياسية والعلمية والتقنية الضاربة في أعماق المجتمع، والتسيير العشائري والجهوي والشللي للشأن السياسي وللمؤسسات المختلفة.

 إن نقائص أحزاب المعارضة في مجالات التكوين الثقافي، والتنظيم المحكم للكفاءات الحزبية، فضلاً عن افتقارها إلى مشروع تنموي عصري، أمور  تجعلها عاجزة عن تقديم حلول جدية أكثر قدرة على إخراج البلاد من تخلفها البنيوي المادي والفكري والاجتماعي والتعليمي. ومما يُؤسف له أن هذه الأحزاب لم تفتح ورشاً للتكوين المتواصل الذي يمكّنها من دراسة تطورات الفكر السياسي الحديث، ومن التعلم من أبجديات التجارب الإنسانية الناجحة التي تمكنت من  بناء الدولة المتطورة.

ولعل افتقاد أحزاب المعارضة الجزائرية، في أعلى هرمها وعلى المستوى الأفقي القاعدي، شخصيات قيادية لها ارتباط عضوي روحي مع  الشعب، وتملك رأس المال الرمزي، يعدّ من أكبر المشكلات التي تسلبها القدرة على قيادة المواطنين بسلاسة، وتحريك قوى الإبداع لديهم، وفضلاً عن ذلك فإن ضعف التجربة السياسية لدى قيادات هذه الأحزاب كان ولا يزال يقف حجر عثرة أمامها، ما أفقدها الحركة الإيجابية والصدقية في الشارع الجزائري. ونظراً إلى هذه النقائص الهائلة، فإن مجرد اللقاءات الموسمية، مهما كانت النيات حسنة، لن يفضي إلى تحقيق المشروع القادر على إخراج البلاد من أزماتها المعقدة إلى برّ الأمان.

شاهد أيضاً

إنصاف «الأونروا»

بقلم: وليد عثمان – صحيفة الخليج الشرق اليوم- لم تكن براءة وكالة الأمم المتحدة لغوث …