الشرق اليوم اخباري تحليلي
مقالات مشابهة
بقلم: يونس السيد – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- بات من المشكوك فيه أن يتمكن الغرب من عزل روسيا عن العالم على خلفية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وفي إطار استراتيجية العقوبات والحظر التي تنتهجها الدول الغربية لردع موسكو وإرغامها على إنهاء تلك العملية، بات عليه أن ينظر بين قدميه ليكتشف أنه أيضاً مهدد بالعزلة، وبالتالي ثمة تساؤل مشروع عمن هو المعزول.. روسيا أم الغرب؟
بمناسبة مرور مئة يوم على العملية الروسية في أوكرانيا، يتكرر الحديث عن عزل روسيا، بعدما ظهرت الدول الغربية بموقف موحد رغم الخلافات والتناقضات، وتمكنت من فرض عقوبات هي الأقسى في التاريخ، نظراً لشموليتها وطبيعتها وخصوصيتها، ولكن عزل روسيا عن من؟ إذا كان المقصود عزل روسيا عن الغرب، فهذا صحيح بنسبة كبيرة، أما إذا كان المقصود عزل روسيا عن العالم فهذا مشكوك في صحته.
وفي الحقيقة، فإن ما يقوله الرئيس الفرنسي ماكرون عن أن روسيا أصبحت معزولة يستهدف علاقة روسيا بالغرب، رغم أنه لا يحمل كله نفس الرؤية.. فهذا رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق برلسكوني يكشف عما سماه “الحقيقة المرة”، وهي أن أزمة أوكرانيا أظهرت عزلة الغرب عن العالم. وإذا كان ماكرون يرى أن الرئيس الروسي بوتين ارتكب خطأ تاريخياً بدخول قواته إلى أوكرانيا، فإن برلسكوني يرى أنه، بخلاف الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين وبعض الدول التي تدور في فلكها في المحيط الهادي مثل اليابان وأستراليا، فإن معظم دول العالم رفضت إدانة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، أو الانضمام إلى موقف الغرب تجاه العملية، لافتاً إلى أن “ما أظهرته لنا الأزمة الأوكرانية هو مؤشر مقلق للحاضر وخاصة للمستقبل.. روسيا معزولة عن الغرب، لكن الغرب معزول عن بقية العالم”.
وعلى الرغم من “البرباغاندا” الدعائية والضخ الإعلامي الغربي الهائل ضد روسيا، فإن مسألة عزلها تبدو أمراً غير واقعي بالنسبة لمعظم الشعوب، إذ بحسب استبيان أجراه معهد علم الاجتماع الألماني “لاتانا” وتحالف المنظمات غير الحكومية الأوروبية للديمقراطيات، مؤخراً، وشمل نحو 50 ألف شخص في 53 دولة، يتضح أن معظم المواطنين في الغرب يحملون نظرة سلبية تجاه روسيا، لكنهم لا يريدون قطع العلاقات الاقتصادية والتجارية معها، وكذلك الحال في دول أمريكا الجنوبية، بينما أظهر استطلاع آخر أجري عبر الإنترنت، ونشرت نتائجه في 30 مايو (أيار)، أن 66 في المئة من المستطلعة آراؤهم في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لم يكوّنوا رأياً حول الأزمة الأوكرانية. وإجمالاً يظهر الاستطلاعان أن عزل روسيا بسبب عمليتها العسكرية في أوكرانيا هو أمر غير واقعي.
لا نريد، بالمقابل، الحديث عن إجراءات الحماية الروسية، لاقتصادها ومؤسساتها، والتي يبدو أنها نجحت إلى حد بعيد، في مواجهة العقوبات والحظر الغربي، ولا عن البدائل الاقتصادية والتجارية المتاحة لها (الصين والهند وغيرهما من دول العالم)، لكن نشير إلى الضغوط الغربية الهائلة لإيجاد تسوية ما للأزمة الأوكرانية، والتي يبدو أنها لن تنجح ما لم تأخذ بالأسباب الحقيقية لاندلاع هذه الأزمة.
