الرئيسية / مقالات رأي / كيف تحقق الانتصار السياسي السعودي؟

كيف تحقق الانتصار السياسي السعودي؟

بقلم: د. علي الخشيبان – صحيفة “الرياض”

الشرق اليوم – الجمود الذي أصاب العلاقات السعودية – الأمريكية خلال السنوات الماضية له أسباب عديدة ساهمت في نشوء فجوة سياسية بين حليفين استراتيجيين، وقد تطلبت حالة فك الجمود الكثير من الوقت والجهد، وخاصة من خلال الضغط على المناطق الرخوة القابلة لإعادة التشكل في العلاقات السياسية بين البلدين وجعلها مدخلاً مناسباً لإعادة التفكير في البناء الاستراتيجي من جديد، ولعل الحقيقة المطلقة تاريخياً تتمثل في أن العلاقات السعودية – الأمريكية تعرضت للكثير من المنعطفات ولكنها تجاوزتها جميعاً بلا استثناء وهذه حقيقة تاريخية أصبحت مطلقة.

دائماً ما يكون السؤال مرتبطاً بأهمية العلاقات السعودية – الأمريكية وخاصة في ظل عالم جديد يتشكل بعد حرب باردة كانت تقسم العالم إلى فريقين، اليوم العالم يتغير ليصبح متغيراً في أركانه على نحو خطير في الواقع، فهناك أنظمة سياسية واقتصادية تتنافس بشكل كبير من أجل إعادة المشاركة في بناء النظام العالمي، وهذا ما جعل عملية تحقيق الانتصارات السياسية أكثر تعقيداً من قبل، وخاصة عندما تكون تلك الانتصارات مرتبطة بشأن دولي شامل.

المملكة العربية السعودية ليس هناك شك بأنها تحقق انتصاراً سياسياً كبيراً عبر معالجتها للوضع الدولي المرتبط بإنتاج النفط، والسعودية كما يصفها الإعلام الدولي هي «البنك المركزي للنفط في العالم»، وهذا ما يجعلها تفكر بشكل عالمي عندما يرتبط الأمر بالنفط وإمدادات الطاقة، ولعلي أتذكر هنا مثلاً مغربياً يمكنه تفسير العلاقة القوية بين السعودية ومنظمة أوبك على اعتبار أن السعودية هي من يقود هذه المنظمة بشكل كبير، يقول المثل: «اللي في راس الجمل في راس جماله» بمعنى دقيق أن ما يفكر فيه الجمل يعرفه صاحب الجمل أو «الجمّال» بلغة الصحراء.

منظمة أوبك هي الجمل، التي لديها الكثير من المحاذير والمسارات السياسية ذات الارتباط الدولي وفي ذات الوقت تقود السعودية هذا التفكير لمنظمة أوبك إلى العالم باعتبارها من يقود هذه المنظمة، وبلا شك فإن الاستخدام الأمثل لمعايير القيادة السعودية لمنظمة أوبك ساهم في تحقيق الانتصارات الكبرى، السعودية لديها تصور كامل حول ماذا تريد منظمة أوبك من العالم وماذا يريد منها العالم، لذلك هي دائماً ناجحة في قيادة هذه المنظمة نحو المسارات السياسية السهلة التي لا تكلف الأثمان السياسية العالية. عند بداية الأزمة الروسية – الأوكرانية بدا للعالم أن هناك ضرورة دولية لإعادة تقسيم العالم بين شرق وغرب، وتحدث الجميع عن أتباع لأمريكا وأتباع لروسيا، وآخرين للصين، ولكن هذه الفكرة لم تصمد كثيراً فالصورة التي تمخض عنها الصراع كانت أكبر من أن تقبل الانقسام بهذا التصور، وظهرت الكثير من الدول كلاعب رئيس في تحديد اتجاهات هذه الأزمة وخاصة أن الغرب استخدم سياسات اقتصادية ضد روسيا مما يعني أن الأزمة ستترك آثارها الاقتصادية قبل العسكرية، لذلك نحن نرى بوضوح أن منتجات الأزمة التي يعيشها العالم اليوم منتجات اقتصادية بالدرجة الأولى ساهمت في نقص شديد وحاد في سلاسل الإمدادات الغذائية بين دول العالم، حيث بدا أن كل دول العالم تشارك في هذه الحرب بطريقتها وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها. ونأتي هنا إلى السؤال الأهم وهو: كيف تحقق الانتصار السياسي السعودي؟ السعودية هي من يمتلك الخبرة الدولية الأكثر في توظيف معاييرها الكبرى، مكانتها العربية، مكانتها الإسلامية، مكانتها الاقتصادية، مكانتها الجغرافية، فمنذ تأسيس السعودية في بدايات القرن العشرين وهي تكتسب الخبرة التراكمية في كيفية إدارة ملفات دولية وإقليمية ومحلية مستندة إلى قيمها السياسية وإلى الأسس التاريخية التي تقف عليها المملكة بكل ثقة واقتدار، لقد أثبتت السياسة السعودية أنه يصعب تجاوزها في الشأن الدولي، كما أنه يصعب تجاوزها في الشأن العربي والإسلامي، لذلك فإن المصالح السعودية الأمريكية بشكل مباشر مصالح كبرى يصعب تجاوزها مهما كانت العقبات القائمة أمامها.

الحوار المؤدي إلى الانفراج سمة واضحة في السياسات السعودية التي أصبحت تمتلك الكثير من الأدوات ذات التأثير الأكبر، ومهما كانت المواقف الإعلامية من السياسات الدولية، إلا أن الهدف الأخير لكل سياسات الدول الصغيرة والكبيرة يتمحور حول الرغبة الدائمة في التوازي مع الموقف السعودي، لقد أثبتت السياسة الدولية أن السعودية قادرة على تحقيق الانتصارات السياسية في أكثر المنعطفات تعقيداً، كما أن حيوية السياسة السعودية التي يدفع بها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تطلبت التركيز الدولي على معطيات هذه السياسة التي وضعت المصالح السعودية ومستقبلها في لب حواراتها وتفاعلاتها مع العالم.

شاهد أيضاً

أيهما أخطر؟

بقلم: محمد الرميحي – النهار العربي الشرق اليوم- جاء الزمن الصعب لنسأل أنفسنا: أيهما الأكثر …