الرئيسية / مقالات رأي / مئة يوم أولى …من “حرب استنزاف طويلة”

مئة يوم أولى …من “حرب استنزاف طويلة”

الشرق اليوم- أسعد عبود – النهار العربي

الشرق اليوم- مرت مئة يوم على الحرب الروسية-الأوكرانية من دون أن تلوح في الأفق أي مؤشرات على احتمال قرب التوصل إلى تسوية سياسية تضع حداً لأخطر نزاع تشهده أوروبا والعالم منذ إنتهاء الحرب العالمية الثانية. 

بل على العكس من ذلك، لا تزال الكلمة الأولى للميدان. الجيش الروسي يتقدم ولو ببطء في جبهة الدونباس بشرق أوكرانيا، بينما كييف تناشد الغرب مدها بالأسلحة الثقيلة كي تتمكن من وقف الزحف الروسي، الذي تمكن من إبتلاع نحو ثلث أراضي البلاد منذ 24 شباط (فبراير) الماضي، هذا من دون احتساب الكلفة في الأرواح والبنى التحتية. 

ولا يزال الرئيس الأميركي جو بايدن يعلن عن دفعة وراء دفعة من الأسلحة لأوكرانيا التي تزداد كماً ونوعاً. وآخرها راجمات الصواريخ الحديثة “هيمارس” التي يمكنها إصابة أهداف بدقة عالية على مسافة 80 كيلومتراً فضلاً عن مروحيات ومسيرات من مختلف الأنواع، مضافة إلى 40 مليار دولار من المساعدات التي أقرها الكونغرس.

والاتحاد الأوروبي أقر الحزمة السادسة من العقوبات على روسيا، وأبرز ما فيها فرض الدول الأعضاء، باستثناء المجر، حظر على  استيراد النفط الروسي تدريجياً ومن الآن وحتى آخر السنة، في خطوة الغاية منها حرمان الكرملين من مورد رئيسي لتمويل آلة الحرب الروسية، والضغط على الرئيس فلاديمير بوتين، كي يوقف القتال وينسحب من أوكرانيا.  

في المقابل، تطلق روسيا التحذيرات من أن إمداد أوكرانيا بدفعات متطورة من الأسلحة الأميركية، قد تطلق شرارة نزاع مباشر بين موسكو وواشنطن، وأن الجيش الروسي لن يقف مكتوفاً في حال تعرضت أهداف داخل روسيا لقصف من أوكرانيا. وفي رسالة ذات مغزى، أجرت القوات الروسية النووية تدريباً الأسبوع الماضي.  

وتداعيات الحرب تلقي بثقلها على بقية أوروبا والعالم. ففي أوروبا تخلت فنلندا والسويد عن حيادهما التاريخي وتقدمتا بطلب للإنضمام إلى حلف شمال الأطلسي. وألمانيا رصدت موازنة من مئة مليار يورو لتحديث جيشها لجعله الأقوى في أوروبا، والدانمارك قررت بعد استفتاء الإنخراط في العمليات العسكرية التي يقررها الاتحاد الأوروبي، بعدما كانت تستثني نفسها من هذا الأمر، ودول أخرى أعضاء في الحلف تجري إعادة نظر في موازناتها العسكرية بحيث تلبي متطلبات الحرب. ويوجد اليوم أكثر من 40 ألف جندي أميركي في دول أوروبا الشرقية المنضوية في حلف شمال الأطلسي، أي ضعف العدد الذي كان عليه قبل إندلاع الحرب.

وبدأت دول في العالم تعاني من نقص حاد في القمح، نتيجية تراجع الصادرات الروسية والأوكرانية من الحبوب. فالسفن الروسية محظور عليها الدخول إلى الكثير من الموانئ بفعل العقوبات الغربية، بينما السفن الأوكرانية محاصرة من الأسطول الروسي في ميناء أوديسا على البحر الأسود.

ويبدو أن كل الأطراف تستعد لـ”حرب استنزاف طويلة” وفق ما أدلى به الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ بعد مقابلته الرئيس الأميركي جو بايدن في البيت الأبيض في وقت سابق من الأسبوع.  

وفي الإجمال، لا تزال الحرب بعيدة عن آفاق التسوية. ربما لأن أياً من الطرفين الرئيسيين لا يزال بعيداً عن تحقيق الحد من أهدافه، على رغم الخسائر الفادحة التي تحل بالجانبين. وهنا يبرز تساؤلان، إلى أي مدى يمكن أن تتحمل روسيا وأوكرانيا حرباً طويلة تستنزف مواردهما البشرية والمادية، وأليس من الممكن التوصل إلى صيغة وسط توقف الحرب ولو موقتاً، وتوفر مناخاً للدخول في مفاوضات حول حلٍ مستدامٍ بين الجارين؟   

وبالقياس إلى النمط السائد منذ مئة يوم، فإنه يصح على النزاع في أوكرانيا ما قاله ميكافيللي ذات يوم :”الحرب نبدأها عندما نريد، لكن نوقفها حيث نستطيع”.

شاهد أيضاً

روسيا التي لا تساند أحداً… علاقة غير عادلة مع إيران

بقلم: يوسف بدر – النهار العربي الشرق اليوم– في مقالته في صحيفة “وول ستريت جورنال” …