الرئيسية / مقالات رأي / الهند.. أزمة الطاقة

الهند.. أزمة الطاقة

بقلم: جيري شيه

الشرق اليوم- لطالما روّج رئيس الوزراء ناريندرا مودي لرؤيته لتحويل الهند إلى دولة رائدة في مجال الطاقة المتجددة. لكن الأسابيع الأخيرة كشفت عن حقيقة أكثر تعقيداً. في الشهر الماضي، وبينما كانت الهند تشهد موجة حرارة تاريخية وتستهلك كمية قياسية من الكهرباء للتبريد، أعلنت وزارة الفحم أنها ستعيد فتح المناجم القديمة وتزيد الإنتاج بمقدار 100 مليون طن. ومع انقطاع التيار الكهربائي في المدن بسبب نقص الكهرباء، أمرت وزارة الطاقة المحطات التي تحرق الفحم المستورد بالعمل بكامل طاقتها.

ومنحت وزارة البيئة مناجم الفحم إذناً بزيادة الإنتاج بنسبة تصل إلى 50% دون السعي للحصول على تصاريح جديدة، وفقاً لمذكرة بتاريخ 7 مايو. وأرجعت المذكرة اللوائح البيئية المخففة إلى “الضغط الهائل على إمدادات الفحم المحلية في البلاد”، وقالت إن “كل الجهود تُبذل لتلبية الطلب على الفحم”.

تسلط التطورات الضوء على الاعتماد المستمر، بل والمتزايد، على الفحم في الدولة التي تعد ثالث أكبر مصدر لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العالم – وأحد الضحايا الرئيسيين لتغير المناخ.

على الرغم من اعتراف المحللين بأن الهند تواجه معضلة حقيقية في كيفية تلبية مطالبها المتزايدة من الطاقة، يقول الكثيرون، إن الحكومة ترسل إشارات سياسية مختلطة من خلال الترويج لتعدين الفحم وتوليد الطاقة بينما تروج لطموحاتها الخضراء على المسرح الدولي. في الفترة التي سبقت اتفاقية باريس للمناخ لعام 2015، تعهد مودي بإضافة 175 جيجاوات من الطاقة المتجددة بحلول عام 2022. ورفع هذا الهدف لاحقاً إلى 450 جيجاوات بحلول عام 2030.

لكن الهند قامت بإضافة أقل من 100 جيجاوات من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح حتى الآن، ويقول معظم المحللين الهنود، إن هدف إضافة 175 جيجاوات هو هدف بعيد المنال هذا العام.

لو كانت الهند قد التزمت بتعهدها بشأن مصادر الطاقة المتجددة، لما واجهت نقصاً في الطاقة هذا الربيع، وفقاً لتقديرات شركة “كلايمت ريسك هوريزون” Climate Risk Horizons الاستشارية في نيودلهي. حتى في 29 أبريل، عندما وصلت درجة الحرارة في دلهي إلى 110 درجات – وهي ثاني أعلى درجة حرارة بالنسبة لهذا الوقت من العام منذ 70 عاماً – ووصلت ذروة الطلب على الكهرباء إلى مستوى قياسي، كان من الممكن أن تلبي الهند الحاجة لو كانت على المسار الصحيح لإضافة 160 جيجاوات من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بحلول نهاية العام، بحسب ما ذكر أشيش فرنانديز، الرئيس التنفيذي للشركة.

وقال فرنانديز: “إن دعم الهند المستمر لتعدين الفحم وتوسيع محطة الطاقة أمر مقلق. وسيكون من المؤسف أن يجبر لوبي الفحم الراسخ في الهند الحكومة على إبطاء تنفيذ خطط انتقال الطاقة، حيث يُظهر التحليل أن أي نمو مستمر للفحم سيقوض في الواقع أهداف الطاقة المتجددة في الهند والالتزامات الخاصة بالمناخ”.

يقول باحثون دوليون ومسؤولو سياسة المناخ، إن كيفية إدارة الهند لعملية تحول الطاقة لها أهمية قصوى بسبب حجمها ونموها السريع. وقد قام ممثل المناخ لدى الرئيس جو بايدن، جون كيري، بزيارات متكررة إلى نيودلهي العام الماضي قبل مؤتمر المناخ COP26 لحث حكومة مودي على تقديم تعهدات أكثر طموحاً بخفض استخدام الفحم وتقليل الانبعاثات، لكنه لم يحقق نتائج تُذكر.

في اجتماع COP26 الذي عُقد في نوفمبر، خففت الهند والصين من لغة البيان الختامي للقمة، والذي قال في النهاية، إن الدول المشاركة تعهدت ب “التقليل التدريجي” بدلاً من “التخلص التدريجي” من استخدام طاقة الفحم. وقد أثار التغيير في اللحظة الأخيرة انتقادات دولية واعتذاراً من رئيس COP26، ألوك شارما، الذي وصف اختتام القمة بأنه “مخيب للآمال للغاية”.

كما هو الحال في الهند، رفعت الصين أيضاً هدف إنتاجها السنوي من الفحم في الأسابيع الأخيرة – بمقدار 80 مليون طن – بينما حطم عمال المناجم الرقم القياسي للإنتاج في يوم واحد.

من المتوقع على نطاق واسع أن يتوسع إنتاج الفحم في الهند في السنوات القادمة حيث تتطلع الحكومة إلى تلبية الطلب المتزايد على الطاقة وتأمين الاستقلال في هذا المجال. تعد البلاد ثاني أكبر منتج للفحم في العالم بعد الصين، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية، وستساهم بأكبر زيادة في إنتاج الفحم العالمي بين عامي 2021 و2024. ويأتي حوالي 80% من إنتاج الفحم من شركة “كول إنديا” العملاقة المملوكة للدولة.

في حديثهم العلني هذا الشهر، دافع المسؤولون عن سياساتهم المتعلقة بالفحم باعتبارها ضرورية لتلبية احتياج البلاد للطاقة. وتوقع وزير الفحم، برالهاد جوشي، أن تتضاعف متطلبات الفحم في الهند بحلول عام 2040. وقال نائبه، أنيل كومار جاين، إن الحكومة تواجه لوما بشكل غير عادل – سواء لإنتاج الكثير أو القليل جداً – وحث المزيد من الشركات الخاصة على دخول مجال أعمال التعدين.

وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن تشهد الهند التي يبلغ عدد سكانها 1.4 مليار نسمة تقريباً زيادة الطلب على الكهرباء بأكثر من الضعف بحلول عام 2030. وبحلول 2050، تقدر الوكالة أن الهند ستستهلك طاقة للتبريد بأكثر من 15 مرة، مقارنة بما كانت عليه في 2018، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى ارتفاع عدد مكيفات الهواء المستخدمة. وعلى الرغم من أن الهند تبني مصادر طاقة متجددة، إلا أنها لا تزال تستمد 70% من طاقتها من الفحم، وهو مورد طبيعي وفير.

أظهر هذا الربيع كيف يمكن أن تتفاقم أزمة الطاقة في الهند في عالم يزداد سخونة. وازداد احتمال حدوث موجات الحر في شمال الهند ب 100 مرة في عصر تغير المناخ بفعل الإنسان، وفقا لتحليل أجرته خدمة الطقس الوطنية في بريطانيا.

شاهد أيضاً

أحلام مقتدى الصّدر وأوهام مناصريه

بقلم: فاروق يوسف- النهار العربيالشرق اليوم– عندما يُشفى العراقيون من عقدة اسمها مقتدى الصدر يكون …