الرئيسية / مقالات رأي / أميركا وروسيا… الخطوط الحمر تتآكل

أميركا وروسيا… الخطوط الحمر تتآكل

بقلم: سميح صعب – صحيفة النهار العربي

الشرق اليوم- الرد الأميركي على التقدم الروسي في شرق أوكرانيا، جاء على شكل حزمة مساعدات عسكرية جديدة بقيمة 700 مليون دولار بينها راجمات صواريخ متطورة يبلغ مداها 70 كيلومتراً. وسرعان ما اعتبرت موسكو أن واشنطن “تصب الزيت على النار” في أوكرانيا من خلال إصرارها على إرسال المزيد من الأسلحة المتطورة إلى كييف، بما يمكن أن يهدد الأراضي الروسية.    

وكان الكرملين واضحاً في القول إن الراجمات الأميركية تقرب احتمال المواجهة المباشرة بين روسيا والولايات المتحدة. وعلى ذلك، حاول البيت الأبيض أن يوضح أن الولايات المتحدة حصلت على تعهد من أوكرانيا بأن لا تستخدم الراجمات الأميركية ضد الأراضي الروسية.  

وفي رسالة حازمة من موسكو في مقابل الخطوة الأميركية، أجرت القوات النووية الروسية تدريباً بعد ساعات فقط من إعلان واشنطن عن إرسالها الأسلحة النوعية إلى أوكرانيا. والمغزى من التدريب النووي الروسي لا يستعصي على الفهم، ويشير بصراحة إلى أن روسيا لن تقبل بتهديد أراضيها انطلاقاً من الأراضي الأوكرانية وبأنها مستعدة للذهاب إلى أقصى الخيارات. 

كانت روسيا تأمل بأن يقنع التقدم الذي تحرزه قواتها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وداعميه الغربيين بأنه قد آن آوان الذهاب إلى مفاوضات جدية لوضع حد للحرب. لكن تبيّن أن القيادة الأوكرانية والغرب لا يزالان على تصميمهما بضرورة إلحاق الهزيمة بروسيا حتى ولو طالت الحرب أشهراً وسنوات. 

هذه الإستراتيجية تفتح واسعاً باب التساؤلات، حول إمكان التحكم بإيقاع حرب استنزاف طويلة الأمد في أوكرانيا، وعدم تمددها إلى أطراف ثالثة، سواء بالصدفة أم من طريق الحسابات الخاطئة. ثم أن ثمة سؤالاً جوهرياً يتعلق بالثمن الذي ستدفعه أوكرانيا قبل روسيا لقاء حرب طويلة ستسفر عن إلحاق مزيد من الخسائر في الأرواح والبنى التحتية الأوكرانية، فضلاً عن الانعكاسات الخطيرة للحرب على بقية أنحاء العالم بينما الجوع يهدد أكثر من بلد، والغلاء يجتاح معظم الدول حتى الأوروبية منها، بفعل توقف إمدادات الحبوب الروسية بسبب العقوبات الغربية وعجز أوكرانيا عن تصدير إنتاجها من الحبوب بسبب الحصار الروسي المفروض على موانئها. 

إن رهان واشنطن وشركائها الأوروبيين قائم على فرضية أن العقوبات الغربية غير المسبوقة، تحتاج إلى وقت كي يظهر تأثيرها في الاقتصاد الروسي، وتالياً في قدرة موسكو على تمويل آلتها الحربية. لذا يعتبر الغرب أن إطالة أمد الحرب هو ورقة رابحة في يده. 

إنما السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو عن الثمن الذي ستدفعه أوكرانيا في سبيل تحقيق هدف جيوسياسي للغرب، وهو إلحاق الهزيمة الإستراتيجية بروسيا وشل قدرتها على القيام بمغامرات عسكرية في المستقبل المنظور؟ 

إن تحويل أوكرانيا إلى أفغانستان أخرى في قلب أوروبا ينطوي على الكثير من المخاطر، لا سيما إذا أراد بوتين الذهاب في خيارات غير متخيلة لتقصير مدة الحرب ووضع حد للإستنزاف الروسي. ومن يعرف سلوك بوتين، يدرك جيداً أن الزعيم الروسي لن يسمح بإذلال روسيا، وإذا شعر بأنه سيكون خاسراً فقد يقرر أن يخسر الجميع معه. 

وهنا لا تعود أي من السيناريوات الكارثية مستبعدة. وعلى الولايات المتحدة أن تقرأ جيداً التحذير الروسي من اشتباك مباشر مع أميركا نتيجة استمرارها في تسليح أوكرانيا ورفض خيار التفاوض قبل إنزال الهزيمة بالجيش الروسي في الميدان وإنهاك إقتصادها في الداخل.  

فهل تجاوزت واشنطن الخطوط الحمر الروسية في أوكرانيا عندما قررت الرد على التقدم الروسي في الدونباس، بحزمة أسلحة متطورة قد تكسر قوة الردع الروسية؟  

أوكرانيا هي عنوان أخطر مواجهة أميركية -روسية منذ إنتهاء الحرب الباردة، وعلى هذه المواجهة يتوقف شكل النظام العالمي الذي إنهار عندما اجتازت أول دبابة روسية الحدود مع أوكرانيا في 24 شباط (فبراير) الماضي.

شاهد أيضاً

عند الأفق المسدود في غزة

بقلم: عبدالله السناوي – صحيفة الخليج الشرق اليوم- استغلقت حرب غزة على أي أفق سياسي …