الرئيسية / مقالات رأي / هل يستغني “الأطلسي” عن عضوية تركيا؟

هل يستغني “الأطلسي” عن عضوية تركيا؟

 بقلم: محمد قواص – النهار العربي

الشرق اليوم- في موسم تصاعد النزاع بين تركيا والحلف الأطلسي يؤكد الرئيس الأمريكي جو بايدن أن لا خطط لديه للقاء نظيره التركي رجب طيب أردوغان. لكنه يعتقد أن بالإمكان تسوية الخلافات الحالية. والأرجح أن واشنطن، عبر إداراتها المختلفة، قد خبرت أمر تركيا ورئيسها بالذات، لتحسن التعامل مع موقف أنقرة السلبي من انضمام فنلندا والسويد الى الحلف الأطلسي، وتعتبره موسماً يزول كما تزول المواسم.

والموقف التركي يطرح سؤالين داهمين.

الأول: هل تريد تركيا البقاء في الحلف الأطلسي والاندماج الكامل داخله والانخراط بقواعده وشروط عضويته؟

الثاني: هل الحلف الأطلسي لا يزال يريد عضوية تركيا وحريصاً على إبقائها داخل صفوفه مصغياً إلى هواجسها وشكاويها؟

تعتبر أنقرة أن دخول فنلندا والسويد إلى الناتو “خطيئة” تشبه تلك التي ارتكبت حين ضمّ الحلف اليونان إلى عضويته. تملك تركيا “فيتو” يعرقل ملف الدولتين المرشحتين، وتملك أيضاً كمّاً من الحجج التي تدعّم ذلك الفيتو بالأسباب والحيثيات.

لدى الحلف الأطلسي، والولايات المتحدة خصوصاً، كمّ آخر من المواقف المتراكمة للتذمر من العضو التركي الذي لا يلتزم مبادئ الحلف، لا سيما لجهة معايير الديموقراطية والحرية واحترام حقوق الإنسان، وهي معايير ملزمة وشرط للعضوية.

ويلفت ملف البلدين الاسكندنافيين إلى سلوك التدلل المفرط الذي تمارسه تركيا في التعامل مع قضايا الحلف، بما في ذلك ارتكاب “الكبائر” والذهاب إلى اقتناء منظومة الصواريخ “S-400” الروسية المصممة أساساً لمكافحة القوى الجوية الأطلسية، وإلى سياسة الابتزاز التي تنتهجها أنقرة في التلميح إلى خيار شرقي يبعدها من هويتها الأطلسية الغربية التاريخية.

غير أن ثنائية التحالف والنفور لا تمثل جديداً في حكاية تركيا والأطلسي.

جرى أن تركيا أرسلت قوات إلى شمال قبرص عام 1974 وسط صمت أطلسي مريب أثار حينها حفيظة اليونان. جرى أيضاً أن تركيا أسقطت مقاتلة روسية حلقت فوق حدودها مع سوريا عام 2015 ما فجّر أزمة مع موسكو من دون أن تلقى أنقرة المؤازرة والدعم الكافيين من حلفائها الأطلسيين. والأمثلة في هذا السياق عديدة.

وعلى الرغم من أن تياراً غربياً بدأ يتعزز حضوره داخل الحلف الأطلسي يطالب بتعديلات في ميثاق الحلف ومواده تفتح الباب أمام إمكان “التخلّص” من عضوية تركيا، فإن تياراً أطلسياً آخر، يجد امتدادات له في واشنطن، لا يزال يعتبر أن تركيا ضرورة أطلسية ولا يأخذ على محمل الجد مناورات التدلل التركي ونزوات “الانحراف” صوب الشرق.

يلتقي هذا التيار مع استراتيجيين في أنقرة يكررون أن التناقض الرئيسي لتركيا ليس مع المنظومة الغربية وإن ارتفعت أصوات أردوغان ضد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة كلما دعت حسابات الحكم والسياسة في بلاده إلى ذلك، بل هي مع دول منافسة أخرى وفي طليعتها روسيا. وإذا ما كان الاحتكاك داخل سوريا مثالاً والتنافس داخل دول القوقاز مثالاً آخر، فإن الأمر الواقع الجيوستراتيجي الذي تفرضه روسيا في البحر الأسود، لدليل على مدى تصادم مصالح أنقرة وموسكو مهما اجتهدت العاصمتان للزعم بالودّ والتعاون. ناهيك بأن حروب روسيا وتركيا في القرون الأخيرة تملأ مجلدات.

على هذا تعرف واشنطن تماماً حاجة أردوغان الماسّة إلى التدثّر بالحلف الأطلسي. تعرف أيضاً أن الرئيس التركي يراقب عن كثب يوميات حرب أوكرانيا لمحاولة رسم موقع ودور جديدين لبلاده في أي خريطة دولية قد ينتهي إليها النزاع. وتعرف أن مسألة فنلندا – السويد ليست إلا فرصة تركية سانحة لا تعوض لتحسين موقع تركيا أمام الولايات المتحدة وداخل الحلف الأطلسي.

وفق ذلك لا يرى بايدن في الأمر جسامة وعجالة تستدعي قمة مع نظيره التركي. وتملك واشنطن من المعطيات ما يجعل الرئيس الأميركي متيقناً من احتمالات الحلّ والتسوية. لكن ما أثاره أردوغان والدبلوماسية التركية في أمر، هو جلل بالنسبة الى فنلندا والسويد في عزّ تصاعد أخطار روسيا ورئيسها، يجعل من الاختيار بين بقاء تركيا أطلسية والتحاق الدولتين بالأطلسيين أمراً قابلاً للبحث والاحتمال بغضّ النظر عن تاريخية علاقة تركيا بالحلف.

والحال أن تعامل الدول الغربية، ولمناسبة ملف فنلندا – السويد، مع خصوم تركيا ونظام أردوغان، يطرح علامات استفهام بشأن احترام الأطلسيين لحليفهم.

يحظى “حزب العمال الكردستاني”، المصنف إرهابياً لدى أوروبا والولايات المتحدة، برعاية (لا سيما لامتداداته السورية) تجري علناً وعلى نحو تجده تركيا مفرطاً ومستفزّاً. يستدرج الأمر أنقرة إلى انتهاز هذه الفرصة الفنلندية – السويدية لتصفية حساباتها مع الغرب عامة، لا سيما مع الولايات المتحدة التي تستضيف فتح الله غولن الذي تحمله أنقرة مسؤولية محاولة الانقلاب عام 2016 وتلصق به وبـ”كيانه” أزمات تركيا ومآزقها.

والمفارقة أن حذر واشنطن من نظام أردوغان لا يشبه تعامل الحليف مع الحليف، خصوصاً إذا ما كان الحلف عسكرياً دفاعياً أمنياً لا يحتمل ريبة وشكوكاً. كما أن حرمان واشنطن تركيا من منظومة صواريخ باتريوت الأميركية يكشف تصدّعاً لم يرقَ مع ذلك إلى درجة الفراق والطلاق.

يفصح المأزق عن حال انعدام توازن في ما تريده تركيا وما تستطيعه في هذا العالم. يكشف أيضاً عن عجز الولايات المتحدة عن حسن التعامل مع المستجد التركي منذ تولي أردوغان سدة الحكم واعتباره طارئاً موقتاً آيلاً إلى اندثار وأن أمر ذلك مسألة وقت فقط.

والأرجح أن واشنطن متمسكة بتركيا حليفاً أصيلاً لا يزال دوره وموقعه أصيلين في خرائط الحلف الأطلسي وهي بدأت تستمع لأنقرة وتفرج عن تسلّح كان محظوراً. لكن الحلف على ضفتي المحيط لا يثق بالرئيس التركي بحيث يتم التعامل مع حالته بالقطعة وبمسار يومي لا يقرّب الرجل من النادي الغربي لكنه لن يبعده أبداً خارج أسوار الحلف. والأرجح أيضاً أن أردوغان لا يقوى على مغادرة السقف الأطلسي الأقوى الضامن لأمن تركيا وما يدفعه عنها من مفاجآت غير محسوبة في أي نظام دولي قد يرى النور.

شاهد أيضاً

أميركا إذ تتنكّر لتاريخها كرمى لعينيّ نتنياهو

بقلم: راغب جابر- النهار العربيالشرق اليوم– فيما تحارب إسرائيل على أكثر من جبهة، تزداد يوماً …