الرئيسية / مقالات رأي / حول لقاءات الرئيس الجزائري ببعض “نخب” الجالية الجزائريّة في الخارج

حول لقاءات الرئيس الجزائري ببعض “نخب” الجالية الجزائريّة في الخارج

بقلم: أزراج عمر  – النهار العربي

الشرق اليوم – لماذا يبرمج الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون اللقاءات مع ممثلي الجالية الوطنية المقيمة بالخارج كلما قام بزيارة رسمية لهذا البلد الشقيق أو ذاك البلد الأجنبي؟ وماذا أثمرت مثل هذه اللقاءات حتى الآن، منها اللقاء الذي عقده الرئيس تبون منذ مدة قصيرة مع فريق الصحافيين الجزائريين العاملين بقناة “الجزيرة” بقطر، واللقاء الذي جمعه يوم الأربعاء الماضي بعدد من المهاجرين الجزائريين بإيطاليا في زيارته التي قام بها في الأسبوع الماضي لإيطاليا، تلبية لدعوة رسمية من الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا؟ 

أم أن هذا التقليد الدبلوماسي المتمثل في هذه اللقاءات المذكورة هو مجرد محاولة لاستقطاب نخب من المهاجرين الجزائريين، وبخاصة أولئك الذي لا يعارضون النظام الجزائري، ثم استخدام ذلك كورقة قصد عزل عدد من المعارضين السياسيين الجزائريين الذين ينشطون على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي، أو في إطار مؤسسات إعلامية مكتوبة ومرئية خاصة بهم أو تابعة لبعض الدول العربية أو الأجنبية، وأغلبها في باريس أو لندن؟

وفي الحقيقة، فإن هذه اللقاءات تحدث الآن بشكل أكثر كثافة في إطار  شعار “لمّ الشّمل” الذي يحاول الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون تجسيده في الميدان، ومن أجل تنفيذ سياسات قطع الطريق على المظاهر التي تهدد وحدة النسيج الوطني في الداخل وفي الخارج معاً. ولدعم هذه السياسات، يحاول الرئيس عبد المجيد تبون إعادة النظر في بنية السلك الدبلوماسي الجزائري، وفي علاقاته بالمواطنين الجزائريين المقيمين في المهاجر الأجنبية.

وفي هذا الخصوص، فقد أضاف الرئيس الجزائري إلى انشغالات وزارة الخارجية بالعلاقات مع الدول الشقيقة والأجنبية مهمة الانفتاح على الجالية الوطنية المهاجرة، ونتيجة لذلك أصبحت هذه المؤسسة الدبلوماسية تحمل اسماً جديداً وهو “وزارة الشؤون الخارجية والجالية الجزائرية في الخارج”، بدلاً من “وزارة الشؤون الخارجية” فقط، ويقودها راهناً الوزير رمطان لعمامرة. ولكن هذا الانفتاح، في تقدير الملاحظين السياسيين، لا يزال شكلياً، وتغلب عليه السياسات البراغماتية التي يمكن تلخيصها في محاولة النظام الجزائري كسب ولاء أكبر عدد ممكن من أفراد الجالية الوطنية، من دون تقديم شيء يذكر لهم مادياً ورمزياً، كما سنبين باختصار شديد لاحقاً.

من المفترض أن معالجة المشكلات المزمنة للجالية الوطنية بالخارج تتطلب أولاً وقبل كل شيء التأطير المتطور للجالية الوطنية في الخارج، وليس اللجوء فقط إلى تعيين أشخاص أغلبهم لا تتوافر لديهم الخبرة، والاستعداد النفسي للتعامل مع الجالية المهاجرة ومشكلاتها الحادة والمتنوعة، ومع ثقافة المحيط الأجنبي الذي تعيش فيه.

من المعلوم أن الرئيس تبون كان قد عيّن من قبل الإعلامي والبرلماني سمير شعابنة وزيراً مكلفاً بالجالية الوطنية في الخارج، وهو رجل يتمتع بكفاءة ونزاهة، ولكن سرعان ما أقاله جراء الكشف عن جنسيته المزدوجة الفرنسية والجزائرية، بسبب رفضه التخلي عن الجنسية الفرنسية امتثالاً للقانون الذي يمنع كل حامل لجنسية أجنبية تولي المسؤوليات في أعلى هرم الدولة، علماً أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة هو الذي اخترع هذا القانون، وذلك لكي يقصي منافسه رشيد نكاز، الذي كان يحمل حينذاك الجنسيتين الفرنسية والجزائرية معاً، من الترشح للانتخابات الرئاسية. ولكن أبناء الجاليات الوطنية في الخارج رفضوا رفضاً مطلقاً هذا القانون الذي يمثل سابقة خطيرة في علاقة الدولة بمواطنيها، واعتداءً على حقوق الإنسان المهاجر وتخويناً له، مثلما يمثل تلاعباً سافراً بقانون الجنسية الجزائري الذي يسمح بحمل الجنسية المزدوجة لأي مواطن جزائري.

وفي هذا الخصوص، ينبغي التوضيح أيضاً أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون كان قد وعد في حملته الانتخابية الرئاسية بإلغاء هذا القانون المجحف، والذي يحرم المهاجرات الجزائريات والمهاجرين الجزائريين من حقهم الوطني الطبيعي في الوصول إلى المناصب العليا الحساسة في دولتهم، ولكنه لم يفعل حتى يومنا هذا.

وإلى جانب ما تقدم، تنبغي الإشارة إلى قيام الرئيس تبون من قبل  أيضاً بتعيين نزيه بن رمضان مستشاراً له، وكلفه بالحركة الجمعوية والجالية الوطنية بالخارج، وبعد مدة قصيرة أقاله ومن ثم ألغى هذا المنصب بالكامل.

وفي الواقع، فإن معظم الرؤساء الجزائريين السابقين قد عيّنوا مسؤولين جزائريين للإشراف على الجالية الجزائرية التي تختزل غالباً في المهاجرين الجزائريين بفرنسا وبلجيكا. ففي عهدي الرئيسين الراحلين هواري بومدين، والشاذلي بن جديد، كانت الجالية الجزائرية في فرنسا تحظى بحصة الأسد من العناية الشكلية، وذلك في الإطار السياسي المدعو بودادية الجزائريين في أوروبا التي كانت تسند مهمتها إلى شخصيات قيادية في حزب جبهة التحرير الوطني ولجنتها المركزية، ومعروفة بموالاتها للسلطات في جهاز الرئاسة وملحقاته، ولكن فروع الجالية الوطنية الأخرى والمقيمة في الدول العربية أو في بلدان قارات آسيا وأفريقيا وأميركا الشمالية والجنوبية، لم تشهد أي تأطير ثقافي أو اقتصادي أو اجتماعي لها، وتم الاكتفاء بتصريف أمورها الإدارية مثل تجديد جوازات السفر أو استخراج بطاقات الإقامة وشهادات الوفاة وعقود الزواج والطلاق وغير ذلك من الأمور الإدارية الثانوية.

أما في مرحلة العشرية الدموية فقد جمدت العلاقة تجميداً شبه كلي مع الجالية الوطنية. أما في عهد الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، فلم تشهد الجالية الجزائرية على يديه أي حماية في مواقع العمل، أو نهضة ثقافية أو إشراكاً اقتصادياً أو رعاية صحية، بل استعملت فقط أثناء الانتخابات المختلفة والدعاية للمصالحة الوطنية التي أوقفت الدماء، ولكنها لم توقف انحطاط المؤسسات والأخلاقيات.

ومع الأسف فلا تزال الأوضاع كما هي، حيث لم تبتكر وتفعل الدبلوماسية الجزائرية المكلفة بالجالية الوطنية بالخارج حتى الآن آليات حماية ورعاية الهويات الثقافية واللغوية والروحية لأبناء هذه الجالية، كما أنها لم تخلق لهم المؤسسات والمنابر المختلفة القادرة على دمجهم في النسيج الوطني وحل مشكلاتهم الاجتماعية والصحية والنفسية والاقتصادية المستعجلة، ولم تخلق لهم محيطاً جزائرياً يخفف من وطأة  محيط الاغتراب الذي تفرضه المهاجر الأجنبية، الأمر الذي حرم أفراد الجالية الجزائرية في المهاجر الأجنبية من المناخ الصحي الذي تنمو وتزدهر فيه فرادة شخصيتهم الوطنية.

شاهد أيضاً

إسرائيل تختار الصفقة بدلاً من الرد الاستعراضي

بقلم: علي حمادة – صحيفة النهار العربي الشرق اليوم– تجنبت ايران رداً إسرائيلياً استعراضياً يفرغ …