الرئيسية / مقالات رأي / ولادة نظام عالمي متعدّد الأقطاب

ولادة نظام عالمي متعدّد الأقطاب

بقلم: د. فايز الشهري – صحيفة “الرياض”

الشرق اليوم – من الواضح أنّ تحالفات عالم اليوم تنتقل بوتيرة أسرع مما سبق تحت تأثير مفاعيل متغيّرات جيوسياسيّة، واقتصاديّة، وتقنيّة، وهذا ما سيغيّر شكل التحالفات التي وشمت المشهد الدولي خلال القرن العشرين المنصرم. وحين عنونت مجلّة “الإيكونيميست” الشهيرة افتتاحيّتها لعدد 28 يونيو 2019 بعنوان “ماتت العولمة ونحن بحاجة إلى ابتكار نظام عالمي جديد” فكأنّها تقول إنّ العالم قد بدأ في التغيّر فعلا. وقد بنت المجلّة افتراضها على ما ورد عن “مايكل سوليفان” الأستاذ في جامعة برينستون في كتابه المعنون: The Levelling: What’s Next After Globalisation “التسوية: ماذا بعد العولمة؟” الصادر في مايو 2019.

يقرّر سوليفان هنا أنّ “العولمة أصبحت وراءنا بالفعل ويجب أن نقول وداعًا لها” وأن نضع عقولنا على عالم ناشئ قادم متعدد الأقطاب. ويرى سوليفان أنّ آسيا ستكون بين المنافسين القادمين بنموذج متكامل مركزة الصين. كما قرّر سوليفان أنّ الدول متوسطة الحجم في أوروبا وغيرها ستكافح للعثور على مكانها في هذا العالم. ومن أهمّ ما يراه سوليفان أنّ مؤسسات القرن العشرين -البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالميّة- ستبدو وكأنّها ميّتة بشكلٍ متزايد.

وبخصوص الصين الصاعدة اقتصاديا والطامحة في مقعد أكثر سعة في قيادة الشأن العالمي، فقد كان خطابها السياسي يركّز منذ أكثر من 20 عاما على فكرة أنّه “لا ينبغي ولا يمكن وضع أكثر من 200 دولة في العالم، وأكثر من 6 مليارات شخص (وقتها) تحت سيطرة دولة أو مجموعة واحدة، حيث إنّ التعدديّة القطبيّة أصبحت اتجاهًا تاريخيًا لا رجوع عنه بعد نهاية الحرب الباردة”. هذا ما أعلنته نصا المتحدّثة باسم وزارة الخارجيّة الصينيّة (حينها) “Zhang Qiyue” في 10 يونيو 1999.

وحين نشبت الأزمة الروسيّة الأوكرانيّة مع مطلع عام 2022 ظهرت كأهمّ مفصل في تحديد (أو تدعيم) اتّجاهات القوى، والتحالفات، والمصالح على مستوى العالم.

الواقع أنّه وعلى مدى سنوات عبث معظم جيل السياسيّين الغربيّين الحاليّين فيما بناه الآباء، لذا لم يجدوا كثيرا من الأصدقاء في مواجهة أزمتهم. لقد كان التحدّي أكبر من الخبرات، فهنا دولة نوويّة (روسيا) فعلتْ ما تريد وتهدّد، وهناك دولة نوويّة أضخم (الصين) تراقب وتستفيد، وبينهم دول كُثر تراقب بحياد وتعيد حساباتها في مستقبل تحالفاتها، ولذلك نرى الانفعالات الغربيّة أكبر من الأفعال. إنّ معظم الذين قالوا للغربيّين “هذه حربكم” (صراحة أو ضمنا) كانوا يوماً ما حلفاء سواء في آسيا، أو أفريقيا والشرق الأوسط، وهم بهذا الموقف يسرّعون ولادة نظام عالمي متعدّد الأقطاب وذي خيارات مفتوحة.

شاهد أيضاً

بأية حال تعود الانتخابات في أمريكا!

بقلم: سمير التقي – النهار العربي الشرق اليوم- كل ثلاثة او أربعة عقود، وفي سياق …