الرئيسية / مقالات رأي / انسداد أُفق المحادثات النوويّة… إيران تبحث عن خطّة بديلة

انسداد أُفق المحادثات النوويّة… إيران تبحث عن خطّة بديلة

بقلم: يوسف بدر – النهار العربي

الشرق اليوم – يبدو أن إيران وهي تتعامل مع ملفاتها الخارجية، كأنها لا تبحث عن تسوية، بل عن وضع خريطة استراتيجية لما سيكون عليه المستقبل، ولذلك طوال الوقت نجدها تقدم الوعود وترمي الكرة في ملعب الآخرين؛ لأنها تنتظر الوصول إلى نقطة المكاسب الكاملة.

الأمر هنا، يرتبط بالمحافظين أكثر من نظرائهم الإصلاحيين؛ فبالنظر إلى حكومة الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد، نجد أن المفاوضات النووية في عهد حكومته لم تصل إلى شيء. وبعدها جاءت حكومة الرئيس الإصلاحي حسن روحاني التي استطاعت التوصل إلى الاتفاق النووي عام 2015، الذي سرعان ما أفسده المحافظون بتآمرهم مع الحرس الثوري، خشية على مصالحهم.

بعدها، كان الرهان أن تأتي حكومة وأغلبية في البرلمان، من المحافظين، وذلك ضمانة لعدم الصراع بين السلطتين، وأن يكون الاتفاق القادم ذا قوة واستمرارية؛ لأنه حينئذ من يسيطرون على النظام، هم من سيأتون بالاتفاق الجديد وهم راضون عنه.

لكن الواقع أتى مخيباً للآمال؛ فهناك إصرار من جانب المحافظين على خطوطهم الحمر التي تتلخص في الفوز بكل شيء، أو ليس هناك أي اتفاق. والسبب، أن المحافظين مرتبطون باستراتيجية نظام ولاية الفقيه الحاكم بطبيعته الدينية على إيران؛ إذ يرون أن المستقبل في مصلحة إيران الثورة الإسلامية.

في ثقافتنا العربية، بخاصة بين المتخصصين في الشأن الإيراني، نعرف أن الشخصية الإيرانية تمتاز بالشعور بالتفوق، أو الاستثنائية وبالارتياب والشك، ومن ثَمّ الوعود أكثر من الأفعال. ولذلك، أمام نظرة الشك التي تحملها إيران تجاه الولايات المتحدة الأميركية وإصرارها على عدم تجاوز خطوطها الحمر؛ أعلن المبعوث الأميركي الخاص لشؤون إيران، روبرت مالي، يأسه، قائلاً إن احتمال نجاح محادثات فيينا لإحياء الاتفاق النووي أقل من فرص فشلها.

في المقابل، نجد وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان، خلال مشاركته في منتدى دافوس، الخميس 26 أيار (مايو)، يقول: إن بلاده “جادة بالوصول إلى اتفاق نووي قوي ومستدام”، وإن “باب الدبلوماسية سيبقى مفتوحاً”، وإن “الأميركيين يعلمون جيداً ما المطلوب منهم، إذا أرادوا العودة إلى الاتفاق النووي”.

وهنا نجد عبد اللهيان، قد ركز في كلامه على رمي الكرة في شباك الجانب الأميركي.

على ماذا تراهن إيران؟

يبدو أن طهران ما زالت تراهن على سياسة تخطّي العقوبات الأميركية؛ من أجل القدرة على الاستمرار في محادثاتها النووية من دون الوقوع تحت وطأة هذه العقوبات؛ فنجد الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، خلال اجتماع المجلس الإداري لمحافظة طهران، يؤكد  الالتزام بسياسة الإصلاح الاقتصادي؛ بالبحث عن سبل لزيادة الاستثمارات المحلية والأجنبية وزيادة العائدات غير النفطية.

ويبدو أن الفسحة التي تركتها الإدارة الأميركية لإيران في إمكان بيع نفطها بما يتجاوز العقوبات؛ قد شجعت الإيرانيين على الاستمرار في هذه السياسة. فبينما لا تفصح طهران عن حجم مبيعاتها من النفط؛ يقدر المراقبون أن إيران تبيع مليون برميل يومياً من النفط.

واهتمام إيران برفع سعة خزاناتها من النفط، مؤشر إلى استمرارها في الرهان على هذه السياسة، بخاصة أنها تستعد لرفع طاقة تخزين النفط، بنحو 4.2 ملايين برميل، وذلك بالتزامن مع إعلانها بلوغ عائدات النفط والغاز والبتروكيماويات 25 مليار دولار، في السنة المالية المنتهية في 20 آذار (مارس) 2022.

كما أن الأزمة الأوكرانية أعطتْ الإيرانيين شعوراً بالزهو والعظمة؛ فالأوروبيون في حاجة إلى النفط والغاز الإيرانيين.

ودول أوراسيا التي تعطلت تجارتها بفعل الحرب وتقلق على مسارات تجاراتها، تعزز الآن من علاقاتها التجارية مع إيران للوصول إلى تركيا وإلى مياه الخليج؛ مثلما وجدنا هرولة من كازاخستان وطاجيكستان نحو طهران.

بل إن روسيا نفسها تستفيد من إيران لمواجهة العقوبات الغربية؛ حيث اعتماد سياسة مقايضة النفط والغاز. وأعلن وزير النفط الإيراني، جواد أوجي، منح روسيا اعتماداً بقيمة 5 مليارات دولار لإيران في مجال الطاقة والزراعة والنقل، وأن بلاده تسعى لرفع حجم التبادل التجاري مع روسيا إلى 40 مليار دولار سنوياً.

وعملياً، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال اجتماع للمجلس الأعلى الاقتصادي الأوراسي، الجمعة 27 أيار، أن المفاوضات جارية لإبرام اتفاقية تجارة حرة كاملة مع إيران.

والواضح هنا، أن حاجة الدول الأوراسية للعبور بالتجارة من خلال إيران؛ تعزز من فرص تفعيل ممر “شمال-جنوب”، الذي يضع إيران في قلب التجارة من الخليج والمحيط الهندي إلى أورواسيا وأوروبا.

لكن يبدو أن إدارة بايدن بعثت برسالة إلى طهران، مفادها أن سياستك مكشوفة وتحت الأنظار، فأعلنت وزارة الخزانة الأميركية أنها حظرت شبكة غسيل أموال وتهريب نفط بقيادة مسؤولي الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس التابع له. كما قامت اليونان، بتحريك من واشنطن، بمصادرة سفينة ترفع العلم الروسي وتحمل شحنة نفط إيراني.

ومثل هذه العقوبات، ما زالت تحافظ على الفسحة التي تركتها واشنطن لطهران؛ لكنها استهدفت الحرس الثوري وفيلق القدس اللذين تصر واشنطن على عدم إخراجهما من قائمة العقوبات؛ لدورهما في التوترات الإقليمية.

خطّة بديلة

تدرك طهران أن الفشل في التوصل الى اتفاق نووي له عواقب وخيمة؛ إذ تنتظرها عودة العقوبات الدولية عبر قرار مجلس الأمن، ولذلك هي تصر على تكرار عبارة: “نافذة الدبلوماسية ما زالت مفتوحة”.

وفي اجتماع دافوس، قال عبد اللهيان: “طرحنا مبادرة جديدة أخيراً لإحياء الاتفاق النووي، وعلى الرئيس بايدن وقف سياسة الضغوط القصوى”، مؤكداً أن “العودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015 مرتبطة بعودتنا إلى الأنشطة الاقتصادية الدولية”، ومشيراً إلى معضلة أخرى، وهي مسألة رفع العقوبات عن الحرس الثوري بقوله: “هذه القضية فرعية وأولوليتنا هي مصالح الشعب الإيراني والمطالب الاقتصادية في إطار التجارة العالمية”.

وهذا يعني أن إيران تأكدت أن الرئيس بايدن لا يمكنه في الوقت الحالي العودة الكاملة لاتفاق 2015، ورفع أي عقوبات خارج الموضوع النووي، التي منها ما يتعلق بملف الحرس الثوري والبرنامج الصاروخي والتهديدات الإقليمية.

ولذلك، هي قدمت اقتراحاً بديلاً لإنقاذ نفسها من مخاطر عودة العقوبات الدولية، بخاصة أن بايدن يواجه ضغوطاً شديدة من الكونغرس الأميركي، في ظل الاستعداد لانتخابات التجديد النصفي التي تبدو كأنها بروفة للانتخابات الرئاسية. ولذلك كان استدعاء روبرت مالي إلى الكونغرس لشرح آخر التطورات في ملف المحادثات مع إيران، مؤشراً إلى قوة الضغوط التي يواجهها بايدن، لا سيما في ملف رفع العقوبات عن الحرس الثوري وأجنحته العسكرية والاقتصادية. حتى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، أعلن في 25 أيار، أن الرئیس بایدن، أخبره أنه سيُبقي على الحرس الثوري ضمن قائمة الإرهاب.

ونتيجة لفشل المحادثات النووية في التوصل إلى نتائج، تأتي عملية اغتيال العقيد في الحرس الثوري حسن صياد خدائي، التي تقف وراءها إسرائيل؛ رداً على سياسة طهران التي تمارسها في ظل تعطل المحادثات النووية، إذ تصر إيران على سياسة خفض الالتزام النووي والوصول إلى العتبة الحرجة لإنتاج السلاح النووي، بالوصول إلى مستوى تخصيب يورانيوم بنسبة 90%. وهو ما قد يدفع إسرائيل إلى توجيه ضربة استباقية إلى إيران.

المحصّلة

إن وجود المحافظين في السلطة في إيران، كان دافعاً لإصرار النظام الإيراني على خطوطه الحمر في التفاوض مع واشنطن.

أدركت حكومة طهران الوضع الحرج لإدارة بايدن؛ بسبب ضغوط الكونغرس، ولذلك تتحرك الآن في إطار البحث عن خطة بديلة لإنقاذ نفسها من ورطة العودة إلى العقوبات الدولية.

لعبت الأزمة في أوكرانيا، ومسارعة دول أوراسيا لتفعيل حركة التجارة الترانزيت عن طريق إيران، إلى جانب حاجة العالم للنفط والغاز؛ دوراً في إصرار إيران على الخروج بمكاسب كاملة من محادثاتها النووية في فيينا.

شاهد أيضاً

روسيا التي لا تساند أحداً… علاقة غير عادلة مع إيران

بقلم: يوسف بدر – النهار العربي الشرق اليوم– في مقالته في صحيفة “وول ستريت جورنال” …