الرئيسية / مقالات رأي / موانئ أوكرانيا المعطّلة وأزمة الغذاء العالمية

موانئ أوكرانيا المعطّلة وأزمة الغذاء العالمية

بقلم: كلير باركر – صحيفة “الاتحاد”

الشرق اليوم –  ناشد وزراءُ خارجية مجموعة السبع روسيا بأن تفك الحصارَ على طرق التصدير البحرية للحبوب والمنتجات الزراعية الأوكرانية الضرورية لغذاء العالَم، في غمرة ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتحذير برنامج الأغذية العالمي من عواقب «كارثية» إذا ظلت الموانئُ الأوكرانيةُ مغلقةً. وصرَّحت وزيرةُ الخارجية الألمانية، أنالينا بربوك، في مؤتمر صحفي، يوم الـ14 من مايو الجاري، بعد اجتماعات مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى، قائلةً: «روسيا وسعت الآن نطاقَ الحرب في أوكرانيا لتشمل دولا كثيرةً في صورة حرب حبوب. إنها ليست أضراراً جانبية بل أداة في حرب تستهدف إضعاف التماسك ضد الحرب». وتتألف مجموعة الدول السبع من كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. 

وأعلنت بربوك التي استضافت الاجتماعَ الذي استمر ثلاثة أيام في فايسنهاوس بألمانيا، أن المجموعةَ تبحث عن طرق بديلة لنقل الحبوب من أوكرانيا مع تصاعد خطر أزمة الجوع العالمية. وذكرت الوزيرة الألمانية أن ما يصل إلى 50 مليون شخص سيواجهون الجوعَ في الأشهر المقبلة ما لم يتم الإفراج عن الحبوب الأوكرانية. وهناك نحو 28 مليون طن من الحبوب في الموانئ الأوكرانية التي تحاصرها القوات الروسية. ومع استمرار الصراع في أوكرانيا، تطلعت بعض الدول إلى الهند كمصدر بديل للحبوب. لكن بعد اتخاذ خطوات للتوسع في الصادرات الزراعية، أصدرت نيودلهي يوم الـ13 من مايو الجاري، قراراً بحظر تصدير القمح إلى الخارج، متذرعةً بمخاوف الأمن الغذائي. ومنذ اندلاع حرب أوكرانيا، في فبراير الماضي، سيطرت روسيا تقريباً على مدينة ماريوبول الساحلية التي حاصرت فيها القوات الروسية آخر المقاتلين الأوكرانيين المتحصنين في مصنع آزوفستال للصلب. وأغلقت أوكرانيا موانئها في أواخر فبراير، في غمرة القتال، وحالت دون فتحها السفن الحربية الروسية والألغام العائمة. وأشار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، يوم الـ15 من مايو الجاري، إلى أن مثل هذا التعطيل لعمل الموانئ لم تشهده أوكرانيا منذ الحرب العالمية الثانية. ونقلت وكالةُ أسوشيتد برس عن وزير الخارجية الأوكراني، دميترو كوليبا، قولَه -الأسبوع الماضي- إن بلادَه مستعدةٌ للمشاركة في محادثات مع روسيا لإلغاء حظر تصدير إمدادات الحبوب، لكن حكومتَه لم تتلق «ردود فعل إيجابية» من موسكو. وأكد ديفيد بيزلي، رئيس برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، في حديثه مع مشرعين أميركيين ومسؤولين من إدارة بايدن في واشنطن، قبل أيام قليلة من الآن، على الحاجة الملحة لإعادة فتح الموانئ ومعالجة أزمة الغذاء العالمية. 

وتزرع أوكرانيا ما يكفي من الغذاء لإطعام 400 مليون شخص سنوياً، ويأتي 30% من إمدادات القمح في العالم من روسيا وأوكرانيا، وفقاً لبيانات برنامج الأغذية العالمي. وصرح بيزلي لصحيفة «واشنطن بوست» قائلا: إن عدم فتح هذه الموانئ ونقل الإمدادات الغذائية حول العالم سيكون كارثياً. وذكر أن نحو 3000 عربة قطار محملة بالحبوب تصل يومياً في المتوسط إلى الموانئ الأوكرانية حيث يتم تخزينها في صوامع. وفي وقت السلم، يتم شحنها عبر البحر الأسود ومضيق البوسفور ثم إلى جميع أنحاء العالم. ومع حظر الصادرات، امتلأت الصوامع، مما يعني أنه لا يوجد مكان لتخزين حبوب موسم الحصاد المقبل في يوليو وأغسطس القادمين. وأكد بيزلي أن تأثير الحصار سيتجلى في كل من البلدان الغنية والفقيرة، وسيؤدي بالفعل إلى مزيد من الاضطرابات والتقلبات في سوق المواد الغذائية. ودفعت الحرب أسعار القمح وزيت الطهي وسلع أخرى إلى مستويات قياسية، وتوقعت وزارة الزراعة الأميركية انخفاض إمدادات القمح العالمية في العام المقبل.

وتعتمد دول الشرق الأوسط وأفريقيا بشكل خاص على الحبوب الأوكرانية. وذكرت بيانات للأمم المتحدة أن مصر تحصل على ما يتراوح بين 75% و85% من إمدادات القمح من أوكرانيا وروسيا. وأكثر من 60% من القمح الذي يستورده لبنان يأتي من أوكرانيا. وتعتمد الصومال وبنين على روسيا وأوكرانيا في كل وارداتهما من القمح. وحذرت الأمم المتحدة من أن انعدام الأمن الغذائي قد يؤدي إلى تفاقم الصراعات القائمة والأزمات الاقتصادية في هذه المناطق. وصرح بيزلي أن كلفة إدارة برنامج الأغذية العالمي لمساعدة العدد نفسه من الناس زادت أكثر من 70 مليون دولار شهرياً، وهذا يرجع في جانب منه إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية. وسيضطر البرنامج الذي يقدم مساعدات غذائية إلى 125 مليون شخص في اليوم، إلى تقليص حصص المساعدات بشكل أكبر. 

وستستفيد روسيا، وهي أيضاً منتج رئيسي للحبوب وأكبر مصدِّر للقمح في العالم، من استمرار تعطيل الصادرات الأوكرانية. وتعهد وزراء مجموعة السبع في اجتماعهم الأخير بأن العقوبات ضد روسيا لن «تستهدف الصادرات الأساسية من المواد الغذائية والصادرات الزراعية إلى الدول النامية». كما وعدت الدول بتكثيف مساهماتها في برنامج الأغذية العالمي ومنظمات الإغاثة الأخرى. واتهمت أوكرانيا روسيا بمهاجمة منشآت الحبوب الأوكرانية في المناطق المخصصة للتخزين والتصدير. وأكد متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية لـ«واشنطن بوست» أن الهجمات الروسية أضرت بما لا يقل عن ستة منشآت لتخزين الحبوب في شرق أوكرانيا. وقال بيزلي إنه يتصل بكل صديق يعرفه له أي تأثير على روسيا لحثها على السماح باستئناف شحنات الحبوب من أوكرانيا. وأعلن وزراء مجموعة السبع أنهم يبحثون عن خيارات أخرى لتوصيل الحبوب الأوكرانية إلى البلدان المحتاجة، بما في ذلك إنشاء «ممرات تضامن زراعي». ووضعت المفوضية الأوروبية خطة، يوم الـ12 من مايو الجاري، لإنشاء ممرات نقل تُيسِّر الشحنَ البري للحبوب الأوكرانية إلى أوروبا. لكن بيزلي ذكر أن الشاحنات والقطارات لا يمكنها نقل سوى جزء ضئيل من الحبوب التي تُشحن عادة من موانئ أوكرانيا. ونقلت صحيفة «فاينانشيال تايمز» عن بربوك قولَها إن «كل طن نُخرجه سيساعد قليلا في التصدي لأزمة الجوع هذه». 

شاهد أيضاً

سوريا وروسيا.. الفرص الناشئة

بقلم: عبدالحميد توفيق- العينالشرق اليوم– تدرك موسكو أن سوريا تشكل أحد التحديات الاستراتيجية المهمة التي …