الرئيسية / مقالات رأي / مأزق أوروبا الاستراتيجي

مأزق أوروبا الاستراتيجي

بقلم: مفتاح شعيب – صحيفة “الخليج”

الشرق اليوم – ربما تتطور قضية انضمام فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى أن تكون الأزمة المنتظرة بين روسيا والغرب، وقد تكون الأشد خطورة من الوضع في أوكرانيا، بالنظر إلى تداعياتها السياسية والعسكرية على الأمن الأوروبي والنظام الدولي عموماً. فهذه الخطوة لن تجلب الاستقرار، ولن تردع روسيا في غياب الحوار والتواصل بين جميع الأطراف ذات الصلة.

طريق هلسنكي واستوكهولم إلى عضوية «الناتو» لن يكون سهلاً وسريعاً، وقد يسقط ضحية مساومات اللحظة الأخيرة، ناهيك عن أن دولتين على الأقل من أعضاء الحلف، هما تركيا وكرواتيا، تعارضان هذا الانضمام، خشية أن يغير خريطة أوروبا جغرافياً واقتصادياً وعسكرياً، ولتركيا تحديداً تحفظات كبيرة على دعم البلدين الاسكندنافيين عناصر وجماعات مناوئة لأنقرة. أما بالنسبة إلى الموقف الروسي، فإن هذا الانضمام، وفق سياسة الكرملين، يعد تهديداً أكبر من الخطر الذي كانت تمثله أوكرانيا قبل 24 فبراير/ شباط الماضي، ومع ذلك شنّت موسكو عمليتها العسكرية المستمرة من دون أن تبدو لها في الأفق نقطة نهاية. والتوقعات التي تشير إلى احتمال اندلاع حرب جديدة ليست بعيدة عن الواقع؛ وذلك كله سيتوقف على النتائج النهائية للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وقد يدفع بتلك المنطقة إلى أتون صراعات كبرى، قد تصل في نهاية المطاف إلى مواجهة عالمية شاملة.

ردود فعل موسكو، بدأت بقطع إمدادات الكهرباء عن هلسنكي، وتحدث المسؤولون الروس عن «خطوات انتقامية»؛ منها نقل أسلحة نووية استراتيجية إلى مكان أقرب إلى الدول الأوروبية. ولأول مرة منذ عقود يبدو استخدام هذه الأسلحة المدمرة شديد الاحتمال، وما يعزز هذا التهديد أن الحلفاء الغربيين يصرون على التوسع شرقاً، بينما بدأت روسيا تشعر بأن وجودها مهدد، وهو الشرط الذي وضعه الرئيس فلاديمير بوتين لاستخدام النووي.

إذا قبل «الناتو» انضمام فنلندا والسويد، فإن ذلك يعني أن النظام الأمني الذي انبنى في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية سينهار، وسينهي أكثر من ثمانية عقود من الهدوء، وستستعيد القارة العجوز ذكريات الحروب المريرة والصراعات القومية والإثنية، ولن يستطيع حينها حلف «الناتو» أو الولايات المتحدة تحقيق الأمن بأبعاده كلها، فهذا الإنضمام المفترض سيغير الجغرافيا السياسية للقارة، وسيجعلها في حالة استنفار دائم، تحسباً للتهديدات الروسية على وجه التحديد، أو من أي قوة أخرى. ومن هذا المنطلق، فإن هذا الوضع سيصيب المجالات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية بتداعيات وخيمة، وبالتالي فإن النتائج ستكون عكسية.

تحقيق استقرار أوروبا والعالم لن يكون شاملاً بعقد التحالف وبناء الجيوش والاستعداد الدائم للحرب؛ بل بالحوارات ومناقشة الهواجس المختلفة مع الفرقاء الآخرين، وإذا تمت إضافة دولة أو اثنتين إلى حلف الأطلسي فإن ذلك لن يضيف الكثير في معايير القوة، ولكن استراتيجياً يمكن أن يصنع خصماً أكثر شراسة وجاهزية للدخول في صراع مفتوح. وهذه النتيجة ستكون الأقرب إلى التحقق، فبدل ردع روسيا واحتوائها، قد تجد أوروبا ودول الناتو نفسها في مأزق استراتيجي يبدد عهود الرخاء والازدهار، ويدشن عالماً منقسماً على ذاته وسط الرعب والخوف الكبير من المجهول.

شاهد أيضاً

هل تنجح طهران خارج محور المقاومة؟

بقلم: عادل بن حمزة- النهار العربيالشرق اليوم– دخلت منطقة الشرق الأوسط فصلاً جديداً من التصعيد …