الرئيسية / مقالات رأي / الأمن الغذائي العالمي المهدّد

الأمن الغذائي العالمي المهدّد

بقلم: أحمد مصطفى – صحيفة “الخليج”

الشرق اليوم – جاء قرار الهند بحظر تصدير القمح ليزيد من اضطراب أسواق الغذاء العالمية التي تعاني أصلاً منذ أزمة وباء «كورونا»، وزادت معاناتها مع الحرب في أوكرانيا. وبررت الهند قرارها الذي جاء بعد يوم واحد من صدور أرقام التضخم الرسمية التي أظهرت ارتفاع معدلاته لأعلى مستوى في ثماني سنوات، بالحاجة لتلبية احتياجات السوق المحلية، وسط توقعات بانخفاض محصول القمح هذا الموسم نتيجة موجات الجفاف وارتفاع أسعار الأسمدة.

ورغم أن الهند ليست من كبار مصدري القمح في العالم، إلا أن السوق العالمية كانت تراهن عليها لسد النقص الناجم عن تعطل صادرات القمح من أوكرانيا وروسيا بسبب الحرب والعقوبات على موسكو. وبالفعل، كانت الهند تأمل بمضاعفة صادراتها من القمح، وبالتالي مضاعفة العائدات. لكن الضغط الذي يعانيه سوق الغذاء في العالم بخّر الآمال الهندية. خاصة أن الهند في الواقع من كبار مستوردي الغذاء، فهي أكبر مستورد لزيت الخضراوات في العالم.

وسبق وحذرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) قبل شهرين من أزمة تهدد الأمن الغذائي العالمي. وإذا كانت معدلات التضخم عموماً في الاقتصاد العالمي أقل قليلاً من نسبة عشرة في المئة، فإن أسعار المنتجات الزراعية والغذاء ارتفعت بأكثر من ثلاثين في المئة. ويتوقع أن تستمر أسعار المنتجات الزراعية والغذائية في الارتفاع، خاصة مع ارتفاع أسعار الطاقة، وما يبدو من طول أمد الحرب في أوكرانيا.

ولا يقتصر تأثير ارتفاع أسعار الطاقة في أسعار المنتجات الغذائية على ارتفاع كلفة النقل والشحن مثلاً، بل إن الأهم هو ارتفاع أسعار الأسمدة، وبسبب ارتفاعها، بل ونقصها بسبب العقوبات على روسيا التي تعد أكبر مصدر للأسمدة في العالم، يتحول المزارعون إلى محاصيل أقل استخداماً للسماد لتقليل الكلفة، كما يحدث في أستراليا والبرازيل.

ربما تكون روسيا هي الأقل تضرراً من أزمة الأغذية الحالية، حتى إذا استمرت الحرب في أوكرانيا لأمد أطول. فمثلاً، روسيا هي أكبر مصدر للقمح في العالم، ويزيد نصيبها من سوق تجارة القمح عن سبعة عشر في المئة، وصدرت العام قبل الماضي قمحاً بنحو ثمانية مليارات دولار. ومع ارتفاع أسعار القمح حالياً واحتمال استمرار ارتفاعها يمكن أن تضاعف روسيا عائداتها من صادرات القمح، فضلاً عن تلبية احتياجات السوق المحلية.

لكن ذلك، وإن أفاد روسيا، لن يؤثر كثيراً في تخفيف أزمة الأمن الغذائي العالمية. وبالطبع ستكون الدول الأكثر تضرراً هي دول الاقتصادات الصاعدة والدول النامية، ومنها أغلب الدول العربية. ولن يفلت من تأثيرات الأزمة الحالية سوى من تحسب مبكراً لتهديدات الأمن الغذائي، وتمكن من تأمين عقود توريد طويلة الأجل وإن بأسعار أعلى.

وهنا يتذكر الإماراتيون، من مواطنين ومقيمين على أرض دولة الإمارات، قول صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، خلال الإغلاقات العالمية للحد من انتشار وباء كورونا «لا تشلّون هَم». فلم تكن تلك مجرد مقولة لطمأنة الناس الذين يخشون نقصاً في المواد الأساسية، بل هو تقرير واقع وحقيقي عن تخطيط القيادة الإماراتية لاحتمالات مماثلة، سواء بتأمين مخزون كاف، أو بعقود توريد طويلة الأمد، أو بزيادة الإنتاج المحلي. والواقع أن استراتيجية الإمارات شملت الأمور الثلاثة لضمان استدامة الأمن الغذائي.

هناك مقولة شهيرة: «من لا يملك قوت يومه لا يمكن استقلاله وحريته». وليس هناك وضع تنطبق عليه هذه المقولة أكثر من الآن. ربما ترى دول الاقتصادات المتقدمة مثلاً، أن ارتفاع أسعار الغذاء لا يمثل سوى نسبة قليلة من معدلات التضخم العامة في الاقتصاد.

ورغم المرونة التي تتمتع بها الاقتصادات الرأسمالية الكبرى، فإن تفادي الركود ربما لا يكون ممكناً الآن. مرة أخرى، ستكون الدول الأقل تقدماً هي من تعاني أكثر من تبعات ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة في ظل ركود اقتصادي عالمي يعطل مشروعاتها التنموية. ولن ينجو من تلك الدائرة الجهنمية إلا من اعتمد مبكراً سبل التنمية المستدامة والتحسب لكل الظروف والاحتمالات.

الجانب الإيجابي الوحيد في أزمة الأمن الغذائي العالمي الحالية هو أنها ربما تكون «جرس إنذار» قوي يدفع العالم نحو الاهتمام بقطاعات أساسية كاد يهملها، مثل الزراعة والصناعات الغذائية التقليدية. وليس بالضرورة أن يكون ذلك على حساب الاستثمار في قطاعات «الاستثمار الجديد»، بل محاولة السير في الاتجاهين بالتوازي وابتكار سبل التكامل بينهما. فربما يتمكن البشر من تحسين فرص حياتهم على كوكب الأرض.

شاهد أيضاً

عند الأفق المسدود في غزة

بقلم: عبدالله السناوي – صحيفة الخليج الشرق اليوم- استغلقت حرب غزة على أي أفق سياسي …