الرئيسية / مقالات رأي / ماكرون جديد

ماكرون جديد

بقلم: فيصل عابدون – صحيفة “الخليج”

الشرق اليوم – يمثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نوعاً مختلفاً من القيادات السياسية في فرنسا، فقد أعيد انتخابه لولاية ثانية من خمس سنوات وهو أمر نادر في الحياة السياسية الفرنسية، وحقق ماكرون فوزه على الرغم من المعارضة القوية لسياساته المتعلقة بالشركات والمنافسة القوية من زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان.

كما أنه من جانب آخر يجد وقتاً من برنامجه المزدحم لحضور مباريات كرة القدم المحلية وآخرها اللقاء بين فريقي «لودوفيتش بلس» و«نيس» في كأس فرنسا في يوم تنصيبه لولاية جديدة، وقبل احتفالات الذكرى السنوية لنهاية الحرب العالمية الثانية، وهو يقوم خلال الأيام العادية وأيام الحملات الانتخابية بزيارة المخابز الشهيرة بصناعة الخبز الفرنسي، ويعتبر أن هذا الخبز يمثل القوة الناعمة لبلاده.

وأثبت ماكرون زعامته المختلفة خصوصاً في الصراع الجاري حالياً بين الغرب وروسيا، فهو على عكس العديد من القادة الأوروبيين ما يزال يترك أبواب التواصل مفتوحة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، من دون أن يتخلى عن موقعه المصنف في طليعة المعسكر المعادي.

وربما كان حديثه في خطاب التنصيب عن أسلوب جديد في الحكم يختلف عن الطريقة التي قاد بها البلاد في فترته الرئاسية الأولى، ينطوي على نوع من الغموض. وهو يوضح أكثر أن ذلك يعني الابتكار في أساليب إدارة شؤون الدولة، بعيداً عن الطرق الروتينية القديمة، بما يعني بناء عقد اجتماعي وبيئي حافل بالإنتاج واحترام الاستجابة لما يريده الناس.

هذه عبارات مشرقة، بلا شك، عندما تصدر عن رئيس دولة مهمة وقيادة سياسية تعتبر أنها طليعة لتيارات الاستنارة والتقدم ليس في أوروبا وحدها، ولكن على مستوى أكثر شمولاً بين الدول والشعوب. لكنها مع ذلك تحمل أيضاً قدراً كبيراً لا تخطئه العين من الغموض والعمومية.

المعروف أن الإطار النظري للعقد الاجتماعي الذي أنشأ الدولة الحديثة يقوم على تنازل المجموع للنخبة مقابل احترام إرادتهم وخياراتهم، مع بناء مؤسسات المراقبة والمحاسبة المستقلة. ما هي الإضافات المحتملة التي يحملها ماكرون ضمن هذا الإطار؟

أما حديثه عن ضرورة دعم استقلالية فرنسا وتعزيز قوتها السياسية والعسكرية، فيمكن فهمه ضمن محاولات التأثير في الناخبين الفرنسيين في مواجهة خصومه المحتشدين لهزيمته في الانتخابات التشريعية المقررة من 12 إلى 19 من يونيو/حزيران المقبل. والمعروف أيضاً أن رفع رايات القومية والدفاع عنها يحقق دائماً مكاسب على المستوى الشعبي، وهو نوع من الدعاية الرائجة يميل الزعماء دوماً لاستخدامها خلال الحملات الانتخابية الساخنة.

لقد وصفت وكالات الأنباء، مراسم تنصيب الرئيس ماكرون لولاية جديدة بأنها كانت بسيطة. وقد تعني هذه العبارة أنها مراسم غابت عنها مظاهر الفخامة التي عادة ما ترتبط بمثل هذه المناسبات، لكن في اعتقادي الشخصي أن هذه المراسم عكست شخصية الرئيس الفرنسي بقدر ما عبرت عن عمق ورسوخ التقاليد الديمقراطية وأصالتها. فالأمر في نهاية المطاف إنما يتعلق بالمفهوم الصحيح للسلطة ودورها المنوط بها في بناء الأمم والمجتمعات وليس كيفية الوصول إليها.

شاهد أيضاً

هل تنجح طهران خارج محور المقاومة؟

بقلم: عادل بن حمزة- النهار العربيالشرق اليوم– دخلت منطقة الشرق الأوسط فصلاً جديداً من التصعيد …