الرئيسية / مقالات رأي / أوروبا وتحدي التأخر التكنولوجي

أوروبا وتحدي التأخر التكنولوجي

بقلم: جان ميشكي  – جوريكا نوفاك – صحيفة “البيان”

الشرق اليوم – إن أوروبا تفتخر بسجلها في الاستدامة والشمول، فقد عاد عليها النموذج الاجتماعي والاقتصادي الحالي بنفع كبير حتى الآن. ولكن نظراً لانتشار الاضطراب التكنولوجي، يجب أن يعيد صانعو السياسة تقييم المقايضات السابقة. وينبغي لأوروبا الآن أن تسخر الزخم التعاوني الذي أطلقته الحرب في أوكرانيا، واحتضان التقنيات المتطورة التي لها دور حاسم في بناء قدرتها التنافسية وازدهارها في المستقبل. ولكن، يبدو أن أوروبا تتغير على نحو حاسم جداً جراء الأزمات، فقد أُنشِئ الاتحاد الأوروبي في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وأدت الأزمة المالية العالمية لعام 2008 وأزمة منطقة اليورو التي أعقبتها، إلى مزيد من التعاون المالي بين الدول الأوروبية. وأفضت جائحة كوفيد 19 إلى تعزيز التنسيق المالي من خلال صندوق التعافي المسمى «الجيل القادم للاتحاد الأوروبي». والآن، تقلب الحرب في أوكرانيا استراتيجية الطاقة في أوروبا، وتثير نقاشاً جديداً بشأن الدفاع.

وفي هذا السياق، يجب ألا ينسى صانعو السياسة أزمة أخرى تتحرك ببطء، وهي التأخر الكبير في البراعة التكنولوجية على مستوى الشركات الأوروبية، مقارنة مع نظيراتها في الاقتصادات الرائدة الأخرى، إذ نظراً لانتشار التكنولوجيا في جميع القطاعات، وإعادة تشكيل الديناميكيات التنافسية، يضطلع الابتكار والقيادة التقنية بدور محوري في الاستقلال الذاتي الاستراتيجي للاتحاد الأوروبي، شأنهما في ذلك شأن إمدادات الطاقة أو الدفاع، خاصة في ظل تزايد الاضطرابات الجيوسياسية.

وتفسر التكنولوجيا المتأخرة إلى حد كبير سبب ضعف أداء الشركات الأوروبية الكبرى مقارنة مع نظيراتها في الولايات المتحدة، إذ أفاد بحث جديد أجراه معهد ماكينزي العالمي، بين عامي 2014 و2019، أن عائدات الشركات الأوروبية الكبرى زادت بوتيرة أبطأ بنسبة 40 % مقارنة مع نظيراتها في الولايات المتحدة. فقد تراجعت استثماراتها بنسبة 8 % (تقاس حسب النفقات الرأسمالية بالنسبة لرصيد رأس المال المستثمر)، وقلصت من ميزانية البحث والتطوير بنسبة 40 %. وشكلت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والأدوية 80 % من فجوة الاستثمار، و75 % من فرق البحث والتطوير، و60 % من التفاوت في نمو الإيرادات.

ولطالما كانت أوروبا على دراية بأوجه قصورها في مجال التكنولوجيا، وقد أطلقت مؤخراً مجموعة من المبادرات التي تهدف إلى وضع المنطقة على مسار يرفع من مستوى أدائها. وتشمل هذه البرامج توفير 95.5 مليار يورو (100 مليار دولار) لبرنامج Horizon Europe (هُرايزن يوروب) التابع للاتحاد الأوروبي، وإطلاق مبادرة التخصص الذكي، ووضع إطار عمل المشاريع المهمة ذات المصلحة الأوروبية المشتركة. كذلك، تستثمر المملكة المتحدة 800 مليون جنيه إسترليني (مليار دولار) على مدار أربع سنوات في تجديد وكالة الأبحاث المتقدمة والاختراع.

إن هذه التحركات مرحب بها، لكنها قد لا تكون كافية. فاليوم تفتقر الشركات الأوروبية إلى حجم نظيراتها وسرعتها في الولايات المتحدة والصين، إذ درس تحليلنا الجديد عشر فئات من «التكنولوجيا المستعرضة»، مثل الذكاء الاصطناعي، والسحابة، والتكنولوجيا الحيوية، التي تنتشر أفقياً عبر القطاعات. وخلص تحليلنا إلى أن أوروبا تسبق الولايات المتحدة و/‏‏‏‏ أو الصين في فئتين فقط.

لنأخذ على سبيل المثال التكنولوجيا النظيفة. تمتلك أوروبا أهدافاً أكثر طموحاً للحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون مقارنة مع غيرها من البقاع، وتتفوق على الولايات المتحدة فيما يتعلق ببراءات اختراع التكنولوجيا النظيفة بنسبة 38 % (أكثر من ضعف العدد في الصين)، وفيما يتعلق بالتكنولوجيا النظيفة المثبتة لكل فرد باستخدام التقنيات الناضجة. ولكن الصين تتصدر جميع مجالات إنتاج التكنولوجيا النظيفة تقريباً، وغالباً بحصة سوقية تزيد على 50 %. وتقود الولايات المتحدة التكنولوجيا المتقدمة، بما في ذلك الاندماج النووي، والتقاط الكربون واستخدامه وتخزينه، وشبكات ذكية وبطاريات الجيل القادم، ونظام تخزين الطاقة طويل الأمد.

ويحد هذا التأخر التكنولوجي من قدرة الشركات الأوروبية على المنافسة والنمو، مع ما يترتب على ذلك من آثار سلبية على الوضع الاقتصادي في أوروبا. وفي تقديرنا، يمكن أن تكون القيمة المضافة للشركات التي تتراوح ما بين 2 و4 تريليونات يورو سنوياً على المحك بحلول عام 2040، وهي قيمة يمكن أن تولد الاستثمار، والتوظيف، والأجور، والسلع، والخدمات العامة.

إن التحدي مُلح. وما لم تنهض أوروبا بمكانتها فيما يتعلق بالتكنولوجيا المستعرضة، يمكن أن تتعثر شركاتها حتى في القطاعات التي عادة ما تتميز فيها، فرغم أن أوروبا رائدة عالمياً في صناعة السيارات ينبغي أن تكون الشركات الأوروبية قادرة على التوسع والعمل بوتيرة أسرع في عالم يعاني من اختلال في التكنولوجيا، ويعطي أهمية للحجم وخفة الحركة. وسيتطلب ذلك معالجة مجموعة من المعوقات التي تؤثر سلباً على أداء الشركات الأوروبية، ويبرز ذلك في أربع تجليات: التجزئة وقلة الحجم، وندرة النظم الإيكولوجية للتكنولوجيا الراسخة، وتمويل أقل تطوراً لرؤوس أموال المجازفة، وبيئة تنظيمية يمكن أن تدعم بقدر أكبر الاضطراب والابتكار.

شاهد أيضاً

ماذا حصل دبلوماسيّاً حتى تدحرج الوضع مجدداً على الجبهة اللبنانيّة – الإسرائيليّة؟

بقلم: فارس خشان- النهار العربيالشرق اليوم– بين 15 آذار (مارس) الجاري و23 منه، انخفض مستوى …