الرئيسية / مقالات رأي / تداعيات أخرى للحرب الأوكرانية

تداعيات أخرى للحرب الأوكرانية

بقلم: د. محمد العسومي – صحيفة الاتحاد

 الشرق اليوم- على الرغم من الأسباب المعلنة والمعروفة للحرب الأوكرانية الروسية، فإن هناك قضايا مخفية لا تقل أهمية، بل ربما تكون أكثر أهمية لعالم ما بعد الحرب. وكما يجرف النهر معه، في مواسم الأمطار، الكثيرَ من المخلفات، فقد جرفت الحرب الأوكرانية معها وعجّلت ببروز تناقضات اقتصادية ومالية كانت تحت الرماد، سنكتفي هنا بإحداها، وهي تلك المتعلقة بهيمنة الدولار الأميركي منذ سبعة عقود على التعاملات المالية والنقدية في العالم، مما وفر للولايات المتحدة قدراتٍ ماليةً هائلةً وميزةً لا تتوفر لأية دولة أخرى في العالم.

وفي مقابل ورقتها الخضراء أمكن تسديد واردات الولايات المتحدة من كافة أنواع السلع المستوردة من الخارج، حيث تسارعت في العامين الماضيين عمليات طباعة العملة الأميركية ضمن ما يسمى بالتيسير الكمي، كما منح ذلك واشنطن مراقبةً شاملةً على كافة التعاملات المالية بين مختلف البلدان، فالتبادل بين دولة وأخرى يمر عبر نيويورك.

واعتمد هذا الوضع أساساً على القوة والمكانة الاقتصادية للولايات المتحدة، إلا أن هذه المكانة اهتزت كثيراً في السنوات الماضية بعد بروز دول ذات ثقل اقتصادي كبير، مثل الصين والهند وروسيا والبرازيل، تلك الدول التي ترى الآن بأنه حان الوقت لإنهاء الهيمنة الدولارية، وهو ما سيفقد واشنطن في حالة حدوثة مكانتَها المتربعة على عرش العلاقات المالية والنقدية الدولية. لقد كانت عملية التحول هذه تتم ببطء وهدوء في فترة ما قبل العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، إلا أن هذا التدخل كان بمثابة الريح القوية التي هبّت فجأة لتدفع بالسفن الشراعية نحو وجهتها النهائية، وشجع المزيدَ من نواخذة (ربابنة) السفن لبدأ عملية الإبحار للاستفادة من الظروف المستجدة، خصوصاً وأن البديل متوفر، كاليورو الأوروبي واليوان الصيني.

وهنا لا بد من الإشارة إلى بعض التطورات التي ستؤدي حتماً إلى تغيرات عميقة وشديدة التأثير في النظام المالي العالمي؛ فقد باشرت العديد من الدول بإدخال “اليوان” إلى احتياطياتها النقدية إلى جانب الدولار واليورو، بما في ذلك دول حليفة لواشنطن، كإسرائيل على سبيل المثال، حيث قرر البنك المركزي الإسرائيلي مؤخراً أجراء أكبر تغيير على احتياطه النقدي، حيث أضاف «اليوان» إلى جانب ثلاث عملات إلى احتياطيه الذي تجاوز 200 مليار دولار. وفي مجال التبادلات التجارية، فقد اعتمدت دول مهمة ومؤثرة اقتصادياً، مثل الصين وروسيا والهند، عملاتها الوطنية في عمليات التبادل التجاري بعيداً عن الدولار، كما قررت الحكومة المصرية تفويض وكالات الشحن بقبول الجنيه المصري بدلا من الدولار وفق “بلومبيرغ”، علماً بأن عمليات الشحن تكتسب أهميةً خاصةً هناك بفضل وجود قناة السويس. أما الإجراء الأقوى في هذا الصدد، فقد جاء من روسيا، كأحد تداعيات الحرب، وذلك بعد أن قررت بيع صادراتها من النفط والغاز بالروبل، حيث قام تسعة مشترون أوروبيون حتى الآن بدفع قيمة مشترياتهم من الغاز الروسي بالروبل، في حين تم قطع الغاز عن بولندا وبلغاريا بسبب امتناعهما عن ذلك، علماً بأنه على بقية الدول الأوروبية تحديد موقفها حتى تتجنب وقف إمدادات الغاز، وهو ما سيشكل كارثةً اقتصاديةً للاتحاد الأوروبي.

وللمزيد من الإيضاح، فإن ذلك لا يعني نهايةً للدولار أو أن ذلك سيحدث غداً، إلا أن عملية التحول قد بدأت وستستغرق وقتاً طويلا، لتختتم بنهاية هيمنة الدولار وليتحول إلى إحدى عملات التبادلات المالية والتجارية، وهو ما سيؤدي إلى تعدد أقطاب القوى في هذا الشأن، علماً بأن ما سيمنح الدولار بعضَ الأفضليات هو استمرار ارتباط مبيعات النفط بالدولار، أما إذا ما انتهت عملية الربط هذه، فإن ذلك سيفقد الدولار مركزه القيادي، إلا أن مَن يملك أحداث هذا التحول الخطير، هي دولة ما زالت تتعامل بمرونة رغم الاستفزازات الأميركية غير المبررة ضدها، حيث تكتفي حتى الآن بإطلاق بالونات تحذيرية حتى لا تضطر لفك الارتباط بين النفط والدولار، وهو ما سيسرع من إقامة عالم جديد متعدد الأقطاب مالياً ونقدياً.

شاهد أيضاً

تركيز أميركي على إبعاد الصين وروسيا عن أفغانستان!

بقلم: هدى الحسيني- الشرق الأوسطالشرق اليوم– لا شك في أن كل الأنظار تتجه إلى التطورات …