الرئيسية / مقالات رأي / ثورة العملات الرقمية

ثورة العملات الرقمية

بقلم: توبياس أدريان – صحيفة “البيان”

الشرق اليوم – بعد أصول العملات الرقمية، يتوقع أن تُحدث موجة العملات البنكية الرقمية، ثورة في الأفكار المتعلقة بالمال وكيفية إدارته.

ففي أكتوبر من عام 2020، أطلقت جزر البهاما نوعاً جديداً من العملات الرقمية، هي الدولار البهامي. وتعتبر عملات البنك المركزي الرقمية الصادرة من جزر البهاما، قانونية، تتمتع بالشرعية ذاتها لعملات النقد قديمة الطراز من أوراق مالية ونقود معدنية. ويدخل الدولار البهامي في فئة النقد، إلا أنه لا شكل مادي له. ويمكن لأبناء البهاما اليوم، تنزيل المحفظة الإلكترونية على هواتفهم المحمولة، وتعبئة الدولارات البهامية، وإنفاقها ببساطة عبر كبسة زر.

وعلى الرغم من أن دولتين فقط هما البهاما ونيجيريا، هما الوحيدتان اللتان أطلقتا مثل عملات البنك المركزي الرقمية تلك، إلا أن دولاً كثيرة أخرى، تجري تجارب على العملات الرقمية، بما في ذلك الصين والاتحاد النقدي لدول شرق الكاريبي.

أضف إلى أن 100 دولة أخرى تستكشف الفكرة، لا سيما الولايات المتحدة، حيث أصدر الاحتياطي الفدرالي في يناير الماضي، ورقة نقاش حول العملات الرقمية الصادرة عن البنك المركزي، آخذاً بالاعتبار ما لها وما عليها.

إن تلك للحظة مشوقة في مسار تطور العملات، وقد شهدت السنوات الأخيرة طفرة في ما يعرف بأصول العملات الرقمية، كالبيتكوين. وها هي الشركات اليوم تعمد للابتكار ببدائل أقل خطورة، بما في ذلك ما يسمى بالعملات الرقمية الثابتة، كما تجري الدول استطلاعاتها بشأن عملات البنك المركزي الرقمية.

ومن المرجح أن تترافق تلك العمليات مع مواصلة متجددة للمنافسة الشرسة مع اثنتين من أكثر أشكال المال شيوعاً اليوم، النقد والإيداعات المصرفية. ويصحب هذه المشهدية المتطورة، وعد بتيسير المدفوعات الدولية أكثر، وتحسين الوصول إلى القروض الصغرى، وتقليص تكاليف الصفقات، إلا أن هناك الكثير من المخاطر الكبرى الواجب تجنبها.

الأموال بحد ذاتها، قطعت شوطاً طويل منذ تطورها، من الخرز إلى النقود الذهبية والأوراق المالية وبطاقات الائتمان. ومع مطلع القرن العشرين، كانت السلع تشكل الداعم للعملات الوطنية، لكن ذلك لم يعد صحيحاً، فالدولار الأمريكي مثلاً، تحرر من معيار الذهب في ثلاثينيات القرن الماضي، ليصبح نقداً إلزامياً، تدعم قيمته كلمة الحكومة وحسب. ومن ثم ومع بروز دور واستعمال الحواسيب، بدت الدفعات الإلكترونية أمراً شائع الانتشار.

وشهدت السنوات الأخيرة فورة في نشاط العملات الرقمية، التي يتم إصدارها بشكل خاص، وتأمينها عبر علوم التشفير، لتشكل أصولاً لا مركزية، تتيح الصفقات من الند للند، دون وساطات كالبنوك. ومنذ إطلاق البيتكوين عام 2009، وقد تم إصدار ما يقدر بـ 14 ألف نوع مختلف من العملات الرقمية، بقيمة سوق تقدر قيمتها بـ 2.3 تريليون دولار حتى نهاية 2021. إلا أنها عملات شديدة التقلب، لا تقبل غالباً، وتتسم بتكاليف معاملات عالية.

وولّد مثل ذاك التقلب في العملات الرقمية، اهتماماً بالعملات الرقمية الثابتة «stablecoins» الصادرة نموذجياً عن جهة معينة، كمشغل المدفوعات أو المصرف، وتحاول أن تقدم سعراً ثابتاً، عبر ربط قيمتها بأصول ثابتة، كالدولار الأمريكي أو الذهب. ويجد العديد من العملات الرقمية الثابتة بهوامش متباينة من الثبات مع نمو مطرد، إلا أنها، خلافاً للعملات الرقمية، تتسم بالقدرة على أن تصبح أدوات مدفوعات عالمية. يمكن النظر إلى عملات البنك المركزي الرقمية، على نوع جديد من العملات الرقمية الثابتة، التي توسع إطار الوصول الرقمي إلى احتياطي المصرف المركزي، بما يجعلها متاحة للجمهور عامة، بدلاً أن تكون محصورة بالمصارف التجارية.

ويمكن لعملات البنك المركزي الرقمية، أن تجمع بين الطبيعة الرقمية للمعاملات البنكية، والتعاملات من الند للند بالمال النقدي، إلا أن هناك العديد من الأسئلة التي تطرح نفسها، حول كيفية عمل عملات البنك المركزي الرقمية في كل دولة. فهل ستوجد الأموال داخل المصرف، أم أنها ستصبح أقرب إلى النقد، وتتخذ الشكل المادي للعملات الرقمية؟ وهل ستدفع عملات البنك المركزي الرقمية معدلات الفائدة، على نحو ما تفعل إيداعات المصرف؟

وتوجد بالمقابل العديد من الإيجابيات المتعلقة بعملات البنك المركزي الرقمية، إذ إنها تتسم بالقدرة على جعل أنظمة الدفع أقل فعالية، لجهة التكاليف، وأكثر تنافسية ومرونة. كما أنها ستقلص، على سبيل المثال، التكاليف التي تتكبدها الدولة في التعامل مع الأموال النقدية الفعلية.

وتساعد عملات البنك المركزي الرقمية كذلك، على تحسين المدفوعات العابرة للحدود، التي تعتمد حالياً على العلاقات البنكية متعددة الطبقات، وتخلق سلاسل دفع طويلة بطيئة ومكلفة، يصعب تعقبها. يذكر أيضاً أن عدداً من الدول تضم أعداداً هائلة من الأشخاص الذين لا حسابات مصرفية لديهم، وهؤلاء لا وصول لهم للقروض والفوائد وخدمات المال والدفع الأخرى. لكن هناك الكثير من المخاطر أيضاً، أبرزها يتمحور حول قرار الجميع امتلاك العديد من عملات البنك المركزي الرقمية، وسحبها فجأة من البنوك.

وسيكون على المصارف حينها رفع أسعار الفائدة على الإيداعات، أو فرض معدلات فائدة أكبر على القروض. وهناك أيضاً مسألة تتعلق بوجود أشخاص أقل ممن سيحصلون على الأموال، بما سيبطئ وتيرة الاقتصاد. كما أنه إذا قلصت عملات البنك المركزي الرقمية تكليف الحيازات، والتعاملات بالعملات الأجنبية، فإن الدول ذات المؤسسات المالية الضعيفة، ومعدلات التضخم أو أسعار الصرف المتقلبة، قد تقف مراقبةً، فيما المستهلكون والشركات تهجر مبدأ البيع الإجمالي للعملات المحلية.

سيكون هناك دوماً طرق لتخطي تلك العقبات، حيث يمكن للبنوك المركزية مثلاً، أن تقدم معدلات فائدة أكثر انخفاضاً على موجودات عملات البنك المركزي الرقمية، بما يزيد على الأشكال الأخرى من مطلوبات البنك المركزي، أو الاكتفاء فقط بتوزيع عملات البنك المركزي الرقمية، عبر المؤسسات المالية القائمة.

وتتهافت المؤسسات اليوم لسن قوانين وتنظيمات جديدة، تشمل كافة تلك الحالات الطارئة، وتصور كيفية التعامل مع الأشكال الجديدة من المال، كالإيداعات وسندات الضمان والسلع. وقامت مجموعة العمل المالي الحكومية المراقبة، على سبيل المثال، بتعديل السياسات المتعلقة بمكافحة غسل الأموال، ومعايير مناهضة تمويل الإرهاب، في ضوء الأصول الافتراضية، كما أصدرت لجنة بازل للرقابة المصرفية، ورقة حول إمكانية البنوك الحد بشكل حذر من التعرض للعملات الرقمية. أما صندوق النقد الدولي، فيعمل على المسألة، ويقدم تحليلات مستقلة ذات صلة. سيكون لزاماً على الجميع التفكير بشكل سريع، والاستعداد لاتخاذ الخطوات.

وسيكون على البنوك المركزية أن تحاكي شركات أبل أو ميكروسوفت، لتبقي عملات البنك المركزي الرقمية عند واجهة التكنولوجيا، وفي محافظ المستخدمين، فالمال مستقبلاً يمكن أن يتم تحويله بطرق جديدة بالكامل، بما في ذلك أوتوماتيكياً عن طريق الرقاقات المدمجة في منتجات الحياة اليومية. وسيتطلب ذلك إعادة تصاميم تقنية كثيرة، وتشكيلة متنوعة من أنواع العملات. وبمعزل عن الشكل الذي تتخذه الأموال اليوم، سواء في المصرف، أو في محفظتك وهاتفك، فتوقع أن يبدو المستقبل القريب مغايراً بالكامل.

شاهد أيضاً

الأمل المستحيل لإسرائيل

بقلم: عاطف الغمري – صحيفة الخليج الشرق اليوم- عندما يطرح مركز بحوث أمريكي مؤيد دائماً …