الرئيسية / مقالات رأي / تحريك الأوضاع في ليبيا رغم الانشغال الدولي

تحريك الأوضاع في ليبيا رغم الانشغال الدولي

بقلم: السفير محمد بدر الدين زايد – المصري اليوم


الشرق اليوم – تستضيف مصر حاليًا اجتماعًا بالغ الأهمية بين وفدى مجلس النواب ومجلس الدولة، بحضور مستشار الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفاني ويليامز، في محاولة لإنهاء التعثر وتذليل الصعوبات القانونية والدستورية أمام انعقاد الانتخابات، كما أن هذا الاجتماع أيضًا محاولة لكسر الركود والبطء المحيط بالأزمة الليبية، التي عمّقها الانشغال الدولي بأوكرانيا. وأحد مظاهر هذا الركود أننا حتى الآن نقترب من شهر ونصف الشهر منذ أن قرر مجلس النواب الليبى تكليف السيد فتحي باشاغا برئاسة الحكومة، وعزل السيد عبدالحميد الدبيبة، الذي يُتهم بالتقصير في إدارة المرحلة الانتقالية والعجز عن إقامة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، التي كان مقررًا لها ديسمبر الماضي، فضلًا عن تساؤلات إلى حد الاتهامات بشأن جوانب تتعلق بالنزاهة والشفافية الإدارية والمالية. على أن «الدبيبة» وعددًا من قيادات الميليشيا المتطرفة، وطبعًا معهم مفتي ليبيا السابق، الصادق الغرياني، رفضوا هذه الخطوة، والحقيقة أن كون «الغرياني»- المتشدد، وثيق الصلة بالجماعات الأكثر تطرفًا- من أعلى الأصوات هجومًا على «باشاغا» ومجلس النواب وتشبثًا باستمرار «الدبيبة»، هو في ذاته مؤشر على تبلور طبيعة الاستقطاب الراهن، وخاصة أن «باشاغا» له روابط قوية ومعروفة بتركيا وفصائل الإسلام السياسي، الذي يبدو الآن فى مسار عدم التساهل حتى مع مكوناته الأقل تشددًا.
وفي الواقع أن تكليف «باشاغا» كان في فترة زمنية قريبة جدًّا من اندلاع الأزمة الأوكرانية، التي خطفت كل الأنظار السياسية والإعلامية، وكان هذا التكليف قد مر بصعوبات وتفاعلات كثيفة ومحاولة عرقلة ليس فقط من معسكر «الدبيبة»، ولكن أيضًا من أطراف دولية وشخصيات أممية، أبدت خلال هذه التفاعلات موقفًا حادًّا معارضًا لاستبدال الحكومة، ثم تحولت مع تصاعد الأزمة الحكومية إلى الغموض وعدم الوضوح، فروابط «باشاغا» مع كل الأطراف، بما فيها تركيا والمعسكر الغربى، جعلت هذا المعسكر يخفف، بل يعطى إشارات متناقضة بصدد عملية الإحلال.
وقد انعكس هذا المشهد الضبابي في محاولة كل من «الدبيبة» و«باشاغا» نقل الصراع إلى الخارج للحصول على التأييد الدولي، وقد نتج عن هذا أمر يتسق في الحقيقة مع الانشغال الدولي بسبب أوكرانيا، في حالة بطء وعدم حسم، وخاصة أن «باشاغا» قد اختار النهج السلمي، وسجل بوضوح رفضه تسلم السلطة بواسطة العنف أو المواجهات العسكرية، بعد أن شهدت الأسابيع القليلة الأولى لتكليفه بالمهمة تحركات عسكرية من جانب الميليشيات المؤيدة لكل طرف، وبالتالي وجد الرعاة الخارجيون لهذا المعسكر أن لديهم رفاهية الانتظار والاتصالات البطيئة، خاصة مع الانشغال العالمي.
ولكن هذا بالطبع لم يمنع من استمرار التقلصات والتفاعلات الداخلية، وأبرزها الأزمة التى أصابت اللجنة العسكرية المشتركة، التي انتقد مكونها من الجيش الليبي تصرفات مالية لحكومة «الدبيبة»، ومن بينها وقف صرف مرتبات الجيش، وأعرب هذا المكون عن أنه سيوقف عمله، كما دعا قائد الجيش إلى إيقاف تصدير النفط، وإغلاق الطريق الساحلى بين الشرق والغرب، وإيقاف أوجه التعاون مع الحكومة ومكوناتها داخل المناطق التي تؤمنها القوات المسلحة، وكذا إيقاف الرحلات الجوية بين شرق البلاد وغربها، ولمحاولة تدارك الأمر، أفرجت حكومة «الدبيبة» عن جزء من مرتبات الجيش المتوقفة، متجاهلة حملة «الغرياني»، المتزعم حملة الدعوة إلى وقف دفع مرتبات الجيش، بالتصعيد.
وارتباطًا بالأزمة الأوكرانية، لم يَغِب عن الساحة الليبية تحولها إلى مصدر آخر للصراع والجدل الداخلي على خلفية التصويت الليبي بدعم قرار طرد روسيا من مجلس حقوق الإنسان، وأنها الدولة العربية الوحيدة التي فعلت هذا، بينما امتنعت باقي الدول العربية عن التصويت- مُفضِّلة اتخاذ موقف محايد- وعارضته سوريا وحدها، فشهدت الساحة الليبية تصاعدًا لاتهام «الدبيبة» ووزيرة خارجيته، نجلاء المنقوش، بالتصويت إرضاءً للغرب وواشنطن لضمان دعمهم لاستمرار حكومته، وشارك فى هذا الجدل ساسة ودبلوماسيون سابقون، من بينهم حسن الصغير، وكيل الخارجية السابق، الذي كرر هذه الاتهامات، وأعرب عن قلقه من انتقام روسي على خلفية تباطؤ روسيا ومعها تركيا في إخراج المرتزقة الروسية فاجنر والسورية التابعة للثانية، ووصل الأمر بـ«الصغير» إلى تقديم شكوى للنائب العام بأن تصويت المندوب الليبي جاء نتيجة أنه مزدوج الجنسية وحامل لتلك الأمريكية، ما يخالف القانون الليبي. وعلى ذكر الوزيرة «المنقوش»، ربما ما يستحق الملاحظة تراجع حملتها السابقة لإخراج المرتزقة من البلاد، وكأن هذه المهمة قد تمت، فى وقت لم يحدث فيه هذا.
وأضيف إلى مسلسل التعقيدات توقيع عدد من المرشحين الرئاسيين السابقين بيانًا دعوا فيه إلى اعتبار مجلس النواب المنتخب ومجلس الدولة فى إجازة تشريعية لحين عقد انتخابات مجلس النواب الجديد، مع تعيين حكومة مصغرة لتصريف الأمور حتى تحقيق ذلك.
وفي ظل كل هذه الخلفية، تأتي أهمية الاجتماع الذي تستضيفه مصر في محاولة تذليل الإشكاليات الدستورية التي تعرقل إجراء الانتخابات، فالأمور في هذا البلد الشقيق وصلت إلى درجة عالية من التشابك والتعقيد، وتحتاج إلى بارقة أمل، ولا يوجد حل سوى انتخابات تُرْسِى أسس شرعية حقيقية، مع ضرورة وضع ضمانات باحترام نتائجها دوليًّا، وفي الداخل الليبي.

شاهد أيضاً

كيسنجر يطارد بلينكن

بقلم: غسان شربل – صحيفة الشرق الأوسط الشرق اليوم- ذهب أنتوني بلينكن إلى جامعة هارفارد. …