الرئيسية / مقالات رأي / مفاجآت حرب روسيا في أوكرانيا

مفاجآت حرب روسيا في أوكرانيا

بقلم: ماجد كيالي – النهار العربي

الشرق اليوم- غرقت المدمرة الروسية “موسكوفا” في البحر الأسود، وهي تعتبر درّة الأسطول الحربي الروسي (186 متراً)، ومركز قيادته، وهي مخصصة، أيضاً، لتدمير حاملة طائرات، وقد شكّل ذلك انتكاسة كبيرة للصورة التي جهدت روسيا في ترويجها عن ذاتها، وعن جبروتها العسكري، وترسانتها الحربية، علماً أنها السفينة الحربية الثانية التي تغرق في غضون 50 يوماً من الحرب الروسية في أوكرانيا.

المشكلة الأخرى في هذا الحدث هي حال المفاجأة، أو الدهشة، ثم الإنكار والمراوغة، التي انتابت القادة الروس، سياسيين وعسكريين، وهو ما تبدى في ترويج روايات عديدة، من ضمنها أن ما جرى على متن السفينة مجرد حريق، أو نتيجة انفجار في بعض حمولتها من الذخائر، ثم في الإقرار بحادثة الغرق لكن كنتيجة لانعدام التوازن إبان محاولة قطرها إلى أحد الموانئ الروسية القريبة، بسبب البحر الهائج، بحسب تعبير وزارة الدفاع الروسية، فيما كان ثمة، منذ البداية، تصريحات لقادة أوكرانيين تفيد بإطلاق قذيفتين على السفينة تسببتا بما حصل.

ثمة دلالات كبيرة في خسارة روسيا سفينتين حربيتين، وطريقة تعاملها مع ذلك الأمر، منها:

أولاً، انكشاف حال التخبط في الإدارة السياسية والعسكرية والإعلامية الروسية في الحرب الأوكرانية، فهل هي من أجل حسم مسألة شبه جزيرة القرم وإقليم دونباس، أم من أجل الهيمنة على أوكرانيا كلها، أم جلبها إلى بيت الطاعة الروسي (على غرار بيلاروسيا وكازاخستان مثلاً)؟ هل هي من أجل الجغرافيا والديموغرافيا، أم من أجل التاريخ والثقافة والخيارات الجيوسياسية؟ على الأقل فإن كل ذلك لم يكن واضحاً لا للروس، ولا للأوكرانيين، ولا للأطراف الخارجية، ولا للرأي العام العالمي.

وبديهي أن الأمر لا يتعلق بمراوغة ما عند صاحب القرار الروسي، وهو الرئيس فلاديمير بوتين وحده، بقدر ما يتعلق بصورة متخيلة خاطئة عن تلك الحرب، التي بُنيت بالقياس على الحروب السابقة التي خاضتها روسيا، في الشيشان (1999) وجورجيا (2008) وأوكرانيا (2014) وسوريا (منذ 2015)، وحقق فيها الجيش الروسي نجاحات طاغية، فيما في تلك المرة، في أوكرانيا، بدا أن في هذا البلد قيادة وشعباً وجيشاً استعد لتلك اللحظة، مستفيداً من كل ما حصل سابقاً، وبدا أن الغرب عموماً لن يسمح بتكرار التجارب السابقة.

وفي الناحية العسكرية تحديداً، كان للحسابات السياسية الخطأ انعكاسات كارثية، إذ تم تشتت القوة العسكرية الروسية، ولم تعرف ما تفعله في بلد مساحته 600 ألف كلم2. على ذلك لم يعد ينفع القول بأن روسيا لم تكن تتوخى غزو أوكرانيا كلها، ولم تكن تتوخى احتلال كييف العاصمة، إذ إن حجم القوات العسكرية التي استهدفت مدينتي كييف وخاركيف، ومدى القصف الجوي والصاروخي غطّى مجمل جغرافية أوكرانيا، وضمن ذلك ميناءا أوكرانيا في الجنوب والجنوب الغربي (ماريوبول وأوديسا)، كما أن الدمار لحق بمساكن ومنشآت خدمية في كل الأراضي الأوكرانية، وكل ذلك يوضح أن الأمر كان يتعدى مسألة السيطرة على شرق أوكرانيا فقط، وأن النكوص عن ذلك تم بسبب استنفاد القوة العسكرية، وصمود الأوكرانيين، والضغط الدولي غير المسبوق.

ثانياً، كشفت تلك الحرب عن تقادم الآلة الحربية الروسية وترهلها، إذ إن تلك الآلة لم تعد تستطيع، هذه المرة، استعراض عضلاتها، أو جبروتها، أو قدرتها على البطش، ضد شعب أعزل (كما في الحالة السورية مثلاً)، علماً أن تلك الآلة لا تواجه دولة تتناسب قوتها مع القوة الروسية ولو بحدود معينة، وهي لا تواجه طائرات ودبابات وصواريخ، بل تواجه جزءاً من أسلحة دفاعية، أي تواجه مضادات طائرات ودبابات وسفناً ومسيرات. أيضاً فقد بدا الجيش الروسي يعاني من التثاقل في حركته، ومن غياب الترابط بين أسلحته المختلفة، وغياب المركزية في التخطيط، وضعف شبكات الإمداد، وكل ذلك يعكس ضبابية الهدف، إذ الاضطراب السياسي عكس نفسه في الاضطراب في الميدان العسكري أيضاً، بخاصة مع المفاجأة المتحققة بالمقاومة لدى الأوكرانيين.

عدا المفاجأة المتمثلة بالجيش الروسي، والمقاومة الأوكرانية، ثمة مفاجآت أخرى لتلك الحرب، ربما أهمها يكمن في أفول مفهوم أوروبا الشرقية وأوروبا الغربية، لمصلحة مفهوم أوروبا الواحدة، إذ إن تلك الحرب، أجّجت مخاوف أوروبا الشرقية، التي خبرت ما يسمى الاستبداد الشرقي أو الهيمنة الروسية (في العهدين القيصري والسوفياتي)، بحيث بدت تلك الدول الأكثر إصراراً، وراديكالية، في مواجهة نظام بوتين، وفي وضع حد لطموحاته، وفي السعي إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وحتى إلى حلف الناتو (كما يبدو من توجهات فنلندا والسويد مثلاً). واللافت أن القيادة الروسية تعاملت مع هذا التوجه بعنجهية، إذ سرعان ما هدّدت بنشر أسلحة نووية على حدود تلك الدول، الأمر الذي يفاقم من مخاوف دول حوض البلطيق ودول أوروبا الشرقية، بدل أن يخففها، وهو الأمر نفسه الذي حصل سابقاً في بداية الحرب على أوكرانيا.

أيضاً، فإن تلك الحرب الوحشية المدمرة لم تخدم البتة تعزيز الأخوة الروسية ـ الأوكرانية، والروابط التاريخية والثقافية والاقتصادية، بل قوّضتها، وهي بدل أن تخضع الشعب الأوكراني للإملاءات الروسية، إذا بها تقوّي النزعة الاستقلالية، أو الوطنية، لدى الأوكرانيين، بحيث يمكن القول إنه بات ثمة تاريخ جديد للشعب الأوكراني.

بعد كل تلك الكارثة، والمأساة، وبطولة الأوكرانيين، يمكن القول إنه لا رابح في تلك الحرب، لا روسيا، ولا أوكرانيا، ولا أوروبا، ولا فكرة السلام العالمي، أو الاعتماد المتبادل، بمعنى أن تلك الحرب في تداعياتها تشكل خسارة كبيرة للجميع.

قصارى القول، المشكلة الأكبر اليوم تكمن في افتقاد بوتين استراتيجية خروج، أو استراتيجية نزول عن السلّم، بعدما صعد إلى أعلاه، على هدى طموحاته وتخيلاته، وأهمها اعتبار الحرب على أوكرانيا مدخلاً لتغيير النظام العالمي، لأن ذلك يحتاج لأن يكون لدى روسيا ما تقدمه للعالم غير السلاح والغاز والقمح، مع ذلك ثمة مصلحة للجميع بالدفع نحو استراتيجية كهذه، ولنأمل أن ذلك لا يزال ممكناً، وفي أقرب وقت.

شاهد أيضاً

الأمل المستحيل لإسرائيل

بقلم: عاطف الغمري – صحيفة الخليج الشرق اليوم- عندما يطرح مركز بحوث أمريكي مؤيد دائماً …