الرئيسية / مقالات رأي / تونس لا تحتاج إلى من يلقنها أصول الحكم

تونس لا تحتاج إلى من يلقنها أصول الحكم

بقلم: علي قاسم – العرب اللندنية


الشرق اليوم – لا نعلم إن كان الوفد البرلماني الأوروبي الذي أدى زيارة إلى تونس استمرت ثلاثة أيام، عاد إلى بروكسل مطمئنا على مستقبل الديمقراطية في البلاد. أو أن أعضاءه اقتنعوا بالتطمينات التي قدمها لهم وزير الخارجية التونسي عثمان الجرندي من أن “الديمقراطية في تونس خيار نابع من إرادة الشعب ولا رجعة فيه” وأن الإصلاحات الدستورية والسياسية للرئيس التونسي قيس سعيد تهدف إلى تحقيق “ديمقراطية حقيقية ومستدامة ترقى إلى مستوى تطلعات الشعب التونسي”.
ما يلفت الانتباه هو تأكيد الوفد على “الأهميّة البالغة” الّتي يوليها البرلمان الأوروبي للعلاقات مع تونس، وعلى اهتمامهم بالتجربة الديمقراطية فيها ومواصلة “مرافقتها بعيدا عن منطق الوصاية”.
محاضرة جديدة من سلسلة محاضرات ملّ التونسيون سماعها.
على مدى 12 عاما اكتفت دول الاتحاد الأوروبي بإلقاء الخطب والمواعظ، ولم تبد ما يدل على اهتمامها بالعلاقة مع تونس، ولم تقدم أيّ دعم للشعب الذي سيذكر له التاريخ يوما أنه أول شعب ينهي سلطة الأيديولوجيا، ليس فقط في شمال أفريقيا، بل على مستوى العالم. وأن كل ما يحدث اليوم في شمال أفريقيا وفي منطقة الشرق الأوسط هو ردات فعل لثورة بدأها التونسيون، وأطلق عليها العالم اسم ثورة الياسمين.
عندما انهار جدار برلين وتساقط المعسكر الشيوعي لم تلجأ دول أوروبا الغربية إلى إلقاء الخطب والمواعظ، بل سارعت لتقديم الدعم المالي بسخاء كبير، وتحمّلت عبء فاتورة انتقال دول أوروبا الشرقية الباهظة للمعسكر الغربي.
الأمر نفسه حدث بعد الأزمة الاقتصادية الحادة التي شهدها العالم عام 2008، وضخت حينها دول الاتحاد الأوروبي مبالغ طائلة لإنقاذ اليونان وإيطاليا والبرتغال من الإفلاس.
ماذا فعل الاتحاد الأوروبي لدعم تونس، التي كانت ثورتها سببا في اندلاع ثورات أخرى أسقطت حكومات دكتاتورية عديدة، سوى الوصاية والوعود المربوطة بشروط.
خلال 12 عاما واجه التونسيون تحديات كبيرة؛ بدءا بالإرهاب ومرورا بارتدادات أزمة اقتصادية عالمية واضطرابات في دول الجوار انتهت بأزمة الجائحة التي شلت القطاع السياحي، وأزمة مناخية حادة أثرت سلبا على مردودية القطاع الزراعي، واختتمت بغزو روسي لأوكرانيا أدى إلى رفع فاتورة دعم الطاقة التي تتحملها الحكومة التونسية.
رغم كل هذا، ورغم كل ما يقال عن ظاهرة الفساد، لم تنهر تونس، بل صمدت في وجه الإرهاب والأزمات الاقتصادية العالمية والجفاف والوباء والفساد، واستطاعت بميزانية محدودة ومتواضعة للغاية أن تدير شؤون البلاد والعباد بكفاءة تستحق عليها الإعجاب.
عملية الإصلاح السياسي وتعزيز المسار الديمقراطي، التي حضر الوفد الأوروبي للاطمئنان عليها، بأياد أمينة، هي أيادي كفاءات تونسية وطنية مشهود لها.
والحوار الوطني انطلق فعلا، وسيتم كما أكد بيان لرئاسة الجمهورية بناءً على نتائج استشارة إلكترونية أطلقها الرئيس قيس سعيد، تمهد لتنظيم استفتاءٍ في يوليو المقبل، تليه انتخابات تشريعية بإشراف الهيئة العليا المستقلة للانتخابات.
ورغم كل المعوقات أظهرت نتائج الاستشارة مشاركة قرابة نصف مليون شخص فيها، ورغبة 86.4 في المئة من التونسيين الذين شاركوا بالاستفتاء بالتحول إلى نظام رئاسي في البلاد.
نعم، تونس تواجه أزمة اقتصادية “حادة” وهذا ما قاله بيان صادر عن البنك المركزي التونسي الذي حدد العجز بمبلغ قيمته 9 مليار دينار (3 مليار يورو). وأن الدين التونسي قد تعمق خلال 12 عاما من الأزمات ليصل إلى حوالي 80 في المئة من الناتج المحلي الخام.
بعض الأرقام قد تكون مفيدة هنا؛ الناتج الإجمالي لتونس عام 2017 هو 37 مليار يورو، بينما تجاوز الناتج الإجمالي لمنطقة باريس وحدها في فرنسا 700 مليار يورو؛ أي عشرين ضعف الناتج الإجمالي التونسي تقريبا.
في 2 مايو 2010 وافقت دول الاتحاد الأوروبي إضافة إلى صندوق النقد الدولي على منح اليونان سلسلة من القروض المالية بمجموع 110 مليار يورو على مدى 3 سنوات. بينما يكفي تونس اليوم 10 مليار يورو لتضع خارطة الاقتصاد على طريق سليم.
مختصر القول إن تونس لديها من الكفاءات الاقتصادية والقانونية ما يؤهلها لإلقاء المحاضرات على الآخرين لا أن تلقى المحاضرات عليها. وهي كفاءات لم تثبت فقط قدرتها على إدارة البلاد، بل أثبتت أنها تقوم بمهمة شبه مستحيلة.
لا أعلم إن كان أحد المسؤولين في تونس همس في أذن أعضاء الوفد البرلماني الأوروبي أن التونسيين يحتاجون إلى من يقف إلى جانبهم، وليس إلى من يلقّنهم أصول الحكم؟

شاهد أيضاً

أحلام مقتدى الصّدر وأوهام مناصريه

بقلم: فاروق يوسف- النهار العربيالشرق اليوم– عندما يُشفى العراقيون من عقدة اسمها مقتدى الصدر يكون …