الرئيسية / مقالات رأي / حرب النفط والغاز غيّرت التحالفات… وتفكّك أوروبي قريباً!

حرب النفط والغاز غيّرت التحالفات… وتفكّك أوروبي قريباً!

بقلم: فادي جواد – النهار العربي 

الشرق اليوم – لا شك في أن الحرب الروسية – الأوكرانية قلبت وجه العالم الذي نعرفه، وبدأ قادة الدول بكشف أوراقهم وتوجهاتهم من خلال رسم خريطة جديدة لدولهم. ولا شك أيضاً في أن ذهاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى المملكة العربية السعودية وعدم اصطفاف الدول العربية إلى جانب أوكرانيا، ما عدا قطر التي حظيت بدعم من حلف “الناتو” كحليف أساسي، ما هو إلا اصطفاف في المشهد العالمي الجديد ما بين الشرق والغرب. فدعوة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الرئيس الصيني لزيارة المملكة وعدم رد السعودية ومعها الإمارات العربية المتحدة على اتصالات الرئيس الأميركي جو بايدن كما ذكر في الإعلام، وتصريح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن تراجع النفوذ الأوروبي في العالم مقابل صعود روسيا والصين والهند سياسياً واقتصادياً وبعض الدول الأفريقية، هو اعتراف بتراجع السطوة الغربية وقدراتها على التحكم في الخريطة العالمية. 

إن المغامرة الأميركية – الأوروبية ضد روسيا ستكون لها تداعيات سياسية واقتصادية على العلاقات بين دول العالم بحيث سنشهد تغيّرات جيوسياسية، فيما سيتأثر الاقتصاد العالمي إماً سلباً أو ايجاباً بحسب التحالفات الجديدة التي ستنشأ بفعل معركة أوكرانيا… وأولى بوادرها بيع الغاز الروسي إلى الدول غير الصديقة بالروبل، وإجبار الدول الأوروبية على فتح حسابات لدى البنك المركزي الروسي للتمكن من تسديد أسعار الغاز حيث بدأت المؤشرات السلبية تظهر بتراجع مخزون ألمانيا بشكل خطير إلى 25 في المئة.

بات مؤكداً أن الدول الأوروبية وأميركا تعرّت أكثر وأكثر وبوضوح في ازدواجية المعايير ونظرتها إلى شعوب العالم، وما تصرف منصة “فايسبوك” في فتح باب دعوات القتل للجنود الروس إلا دليل على سياسة الكيل بمكيالين ونظرة المصالح بغض النظر عن سياسة التعاطي الإنساني ورفض العنصرية التي نادوا بها، فيما منعوا بقية شعوب المنطقة وخصوصاً الشعب الفلسطيني من إيصال صوته في الحرب الأخيرة على غزة وحي الشيخ جراح، وذلك دعماً لإسرائيل.

من المتوقع أن تكون ألمانيا الدولة الأولى التي ستخرج من التحالف الغربي وإعادة إحياء “نورد ستريم 2” الذي كلّف الروس 11 مليار دولار وهو بطول 1200 كلم تحت مياه بحر البلطيق، ومعه سوف تتعزز العلاقات الاقتصادية مع دول عدة في المقلب الآخر، ما يؤدي إلى تحسين الوضع الاقتصادي الألماني الذي وضع 100 مليار دولار لبناء جيشه من جديد بعد الحرب العالمية الثانية في تطور خطير لعودة الرايخ للحياة.

النظام العالمي الذي يسيطر عليه الغرب هو جرس إنذار لبقية دول العالم وشعوبها بعد الاستهداف الشخصي للروس في كل دول العالم حتى وصل إلى طرد الطلاب الجامعيين من الجامعات الأوروبية، وذلك مؤشر على مدى قدرة الغرب على التصعيد ضد أي دولة وشعبها، وبمعنى آخر هو دليل على قدرتهم على إخراج أي دولة من النظام العالمي، وهو ما تلقفته الدول الآسيوية والعربية وذهبت نحو معالجته على المدى الطويل. 

وقد سارعت روسيا والصين إلى توقيع صفقة الغاز بقيمة 117 مليار دولار الشهر الماضي، وهي شكلت الباب الخلفي الذي خرج منه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، من اعتماده على السوق الأوروبية إلى تعزيز الاقتصاد الصيني بعد تقهقر عدد ضخم من المصانع الصينية واضطرارها للإقفال القسري بسبب شح الطاقة في بكين وعدد من المدن الصينية. فالتكامل الاقتصادي الصيني – الروسي سيعزز موقف البلدين في أي حرب مقبلة عليهما. والمعلوم أن حجم التبادل التجاري بين البلدين يبلغ 140 مليار دولار سنوياً، وهما ليسا بحاجة إلى الدولار، إذ إنهما يتعاملان بالروبل الروسي واليوان الصيني.

بعد روسيا سوف تكون المحطة الثانية للغرب، ضرب الصين وذلك لإضعاف النمو الاقتصادي فيها الذي وصل إلى 24 تريليون دولار مقابل 20 تريليون دولار لأميركا، وذلك عبر تحريك ملف تايوان الذي ترفض الصين انفصالها عنها. وما كان احتجاج وزير الخارجية الصيني إلا دليلاً على بدء تصاعد التحرشات والاستفزازات الأميركية عبر بوارجها في المياه وخروجها إلى العلن، وتصريح رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان أن الأميركيين يحاولون تغيير النظام في باكستان بعد زيارته إلى روسيا!

لقد جهّزت روسيا نفسها جيداً قبل دخولها مغامرة أوكرانيا بإنشاء صندوق الحرب الروسي الذي تم تجهيزه عبر تهريب الذهب من السودان خلال السنوات الخمس الماضية، وما كان إلا خطوة تحضير ليكون الحصن المانع في مواجهة أي عقوبات حيث وصلت قيمته إلى 630 مليار دولار واليوم يستعمل لإعادة تسعير الروبل في السوق العالمية بناء على هذا الاحتياط الذهبي. 

أصبحت أوروبا اليوم في وضع سيّئ ولا تريد تكرار سيناريو تجمدها من البرد الذي حصل عام 2009 حين حاول الأوروبيون وقتها التفتيش عن بديل للغاز الروسي، ولكنهم فشلوا. فلا هولندا ولا النروج استطاعتا تغطية الاحتياجات، واليوم انضمت قطر لتقول لا أحد لديه القدرة على سد 10 في المئة من كمية الطاقة الروسية.

شاهد أيضاً

إسرائيل تختار الصفقة بدلاً من الرد الاستعراضي

بقلم: علي حمادة – صحيفة النهار العربي الشرق اليوم– تجنبت ايران رداً إسرائيلياً استعراضياً يفرغ …