الرئيسية / مقالات رأي / حربٌ أوروبية أم عالمية؟

حربٌ أوروبية أم عالمية؟

بقلم: د.وحيد عبدالمجيد – صحيفة الاتحاد

الشرق اليوم- كان طبيعياً أن يحدث قلق من تحول الحرب في أوكرانيا إلى حرب عالمية، سواء نتيجة تداعيات اشتباكٍ غير مُخططٍ له في منطقة قريبة من الحدود بين أوكرانيا وبولندا خلال نقل شحنة أسلحة مُرسلة من إحدى دول حلف “الناتو”، أم بسبب اشتباك جوي غيرَ مقصود بعد أن قرر هذا الحلفُ تسيير طائرات مقاتلة في أجواء دول بشرق أوروبا تحسباً لأي تطور مفاجئ. ولهذا، لم يكن عدم إرسال الولايات المتحدة وحلفائها قوات لمساعدة أوكرانيا بشكل مباشر، كونها ليست عضواً في “الناتو”، كافياً لإبعاد القلق من توسع نطاق الحرب.

لكن هل يعني تجنب كل ما يؤدي إلى توسع نطاق هذه الحرب لتصبحَ عالميةً (من نوع حربي 1914-1918، و1939-1945) أنها إقليميةٌ لكن في أوروبا هذه المرة؟ وهل يصحُ أن نعدَّها، بالتالي، مجرد رقمٍ في قائمة حروب إقليمية عرفها العالَمُ منذ خمسينيات القرن الماضي؟

ليس مُفيداً التعجلُ في الإجابة عن أسئلة تُثيرُها حربٌ لم تكن متوقعةً قبل فترة قصيرة من نشوبها. وما يمكن استنتاجه الآن، في حدود المعطيات الراهنة، أنها حربٌ مختلفةٌ عن الحروب الإقليمية السابقة كلها من زاوية أنها الأكثرُ ارتباطاً بالصراع على مستقبل النظام العالمي.

وعندما نتأملُ أهدافَ روسيا من هذه الحرب، في ضوء استراتيجيتها التي تبلورت في العقد الأخير، نجدُ أنها ترتبطُ أساساً بالسعي إلى تغييرٍ في نظام الأمن الإقليمي في أوروبا لدرء أخطار اقتراب “الناتو” من حدودها، ومحاولة انتزاع إقرار أميركي أوروبي بوقف تمدد هذا الحلف، الذي ضم إلى عضويته دولاً كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي السابق، أو دارت في فلكه. وهذه هي خلاصةُ مسودتَي اتفاقين قدمتهما موسكو إلى كل من الولايات المتحدة و”الناتو” في آخر العام الماضي، وكانت الاستهانةُ بهما وتجاهلُ أهم ما ورد فيهما، من وجهة نظر موسكو، بمثابة السطر الأخير في قرار شن الهجوم على أوكرانيا.

وحين نتأملُ هاتين المسودتين بشيء من التدقيق، ربما نستنتجُ أن السعيَ إلى تغيير في نظام الأمن الأوروبي يعني بشكل غير مباشر تعديلاً في هيكل النظام العالمي، الذي تتطلعُ روسيا لأن تغدو قُطباً فيه بصورة ما.

ولا يقلُ أهميةً عن ذلك التفاعلُ الدوليُ الواسعُ مع الحرب في أوكرانيا، وآثارُها التي بدأت في الظهور في أنحاء عدة من العالم، وليس في أوروبا فقط. وإذا كان الأمرُ كذلك، ألا يصحُ أن نفكرَ أكثر في طبيعة هذه الحرب، ونسألَ عما إذا كان ممكناً أن نعتبرها حرباً عالميةً بالفعل بدون أن يتوسع نطاقُها عسكرياً، لكن من نوع مختلف عن حربين سابقتين صار أيُّ حديث عن حرب عالمية ثالثة يُقاسُ عليهما، ويفترضُ أنها لا بد أن تشبههما؟

سؤالٌ نَطرحُه للتفكير والبحث، على أساس أن تحديد طبيعة الحرب في أوكرانيا، وهل هي إقليميةٌ أوروبيةٌ أم عالميةُ، ضروريٌ لتصور آثارها السياسية والاقتصادية، والثقافية أيضاً، وما سيكونُ عليه العالَمُ بعدها.

شاهد أيضاً

إيران وإسرائيل… الحرب والحديث المرجّم

بقلم عبد الله العتيبي – صحيفة الشرق الأوسط الشرق اليوم- ضعف أميركا – سياسياً لا …