الرئيسية / مقالات رأي / Foreign Policy: روسيا تنضم إلى النادي الآسيوي

Foreign Policy: روسيا تنضم إلى النادي الآسيوي

بقلم: باراغ خانا

الشرق اليوم– يمكننا أن نتخيل انتهاء غزو أوكرانيا بتسوية إقليمية حيث يفرض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيطرته على أجزاء من شرق أوكرانيا، تزامناً مع إنشاء جسر بري يصل إلى شبه جزيرة القرم التي لم تتخلَ عنها روسيا منذ عقد من الزمن تقريباً، أما أوكرانيا فقد تحتفظ بسيطرتها على بقية مناطق البلد، وقد يعود اللاجئون الأوكرانيون جماعياً من الملاجئ الأوروبية لإعادة بناء ما تبقى من بلدهم الفخور بنفسه رغم دماره.

لكن إذا صمد بوتين فستصمد معه ظاهرة “البوتينية”، وتصبح تسوية النزاعات عن طريق العنف وبما يتماشى مع نزوات الحكام المستبدين تقليداً راسخاً، وقد تكون هذه النزعة إهانة شائنة للنظام الأوروبي السائد بعد حقبة الحرب، لكنها مألوفة في آسيا حيث يحاول بوتين الاقتداء بالآخرين وحصد الدعم الذي يحتاج إليه.

لكن حتى لو لم يقرر بوتين غزو أوكرانيا يوماً، فقد كانت روسيا تميل في هذه المرحلة إلى التقرب من النظام الآسيوي، ومن المتوقع أن تصبح ركيزة أساسية له خلال العقد الراهن.

قبل الغزو، كانت تجارة روسيا مع آسيا قد بدأت تنمو تزامناً مع متابعة تلقي الاستثمارات من أوروبا، لكن بعد تبخر هذه الاستثمارات الأوروبية، ستصبح روسيا تابعة لآسيا اقتصادياً، وفي ظل تراجع قيمة الروبل الروسي وعدم ترحيب الغرب بالأموال الروسية أو المواطنين الروس، توسّعت التجارة الثنائية مع الصين ومن المنتظر أن يزيد اتكال روسيا على الواردات الصينية، بما في ذلك أنظمة الأسلحة التي سبق أن طلبتها موسكو دعماً لحربها في أوكرانيا.

في مجال الطاقة، تغيّرت المقاربة المعتمدة بعد السيطرة على شبه جزيرة القرم، وغداة استيلاء روسيا على هذه المساحة من أوكرانيا في عام 2014، لجأت موسكو إلى الصين لتعزيز صادرات الطاقة، وبدل بناء خطوط أنابيب تصل إلى بحر اليابان والاستفادة من السوق المفتوح، وافقت روسيا للمرة الأولى على بناء خطوط أنابيب تصل إلى الصين مباشرةً، فاستسلمت بذلك لأكبر عميلة قادرة على تحديد الأسعار.

انطلق خط أنابيب “قوة سيبيريا” بقيادة شركة “غازبروم” في عام 2019، وبعد تعليق العمل بمشروع خط أنابيب “نورد ستريم 2” المتجه نحو ألمانيا، اتفقت روسيا والصين للتو على تسريع إتمام خطَّي أنابيب مباشرَين آخرَين بينهما، وخلال هذه السنة أيضاً، وافقت الصين على زيادة مشتريات النفط الروسي من شركة “روسنفت”.

يصعب أن ننظر إلى مستقبل روسيا في آسيا من دون أخذ العامل الديموغرافي بالاعتبار، حيث يعجّ جناح روسيا الشرقي الواسع بجميع أنواع الموارد (مياه ومواد غذائية، نفط وغاز، أخشاب ومعادن)، لكن تخلو هذه المنطقة من السكان.

لكنّ الاستثمارات الصينية والروسية المحلية في مجالات سكك الحديد والصناعة والزراعة تفرض على العمّال تحديث مساحة تحوّلت في آخر ثلاثة عقود إلى منطقة نائية ومتداعية، فقد كان دور العمال الصينيين الموسميين أساسياً لإطلاق هذه الجهود، وقد وقّعت روسيا في السنة الماضية أيضاً على اتفاقية لتقاسم المهارات مع الهند بهدف توظيف عدد إضافي من المزارعين وعمّال تجهيز الأغذية للتعامل مع زيادة إنتاج القمح.

منذ أكثر من عشر سنوات، كان الخبراء الاستراتيجيون الغربيون يأملون هندسة مقاربة دبلوماسية لسحب روسيا من محور الصين، مثلما فصل الرئيس الأمريكي السابق ريتشارد نيكسون الصين عن الاتحاد السوفياتي منذ نصف قرن، فقد تصبح هذه المناورة ضرورية في نهاية المطاف للحفاظ على مكانة روسيا كقوة عظمى، لكن لا يبدي الغرب اليوم استعداده لتطبيقها.

حين يتعلم الأولاد مادة الجغرافيا فغالباً ما يجدون صعوبة في رسم الحدود بين آسيا وأوروبا، وتطرح روسيا تحديداً إشكالية كبيرة، لكن انتهى هذا النوع من الجدل الآن، فقد يعتبر الشعب الروسي نفسه أوروبياً، لكن تتصرف الدولة الروسية وكأنها قوة آسيوية، ويبدو أن معطيات البلد الجغرافية ستجعل مصيره يتوقف على مستقبل آسيا.

ترجمة: صحيفة الجريدة

شاهد أيضاً

إنصاف «الأونروا»

بقلم: وليد عثمان – صحيفة الخليج الشرق اليوم- لم تكن براءة وكالة الأمم المتحدة لغوث …