الرئيسية / مقالات رأي / ليست زلّة لسان

ليست زلّة لسان

الشرق الوم- من المألوف في العلاقات الدولية، خصوصاً بين قيادات الدول، استخدام اللغة الدبلوماسية في التخاطب كتعبير عن الكياسة واللياقة، واستخدام الكلمات الحذرة، حتى في ظل وجود الأزمات، كما هي الحال الآن في الأزمة الأوكرانية.

 ويبدو أن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، وصل إلى مرحلة لم يعد بإمكانه قبول رئيس روسيا، فلاديمير بوتين، على رأس السلطة في بلاده، وهو في رأيه تجاوز كل الخطوط الحمر التي يمكن قبولها، لذلك فهو يرى في رحيله مخرجاً وحيداً للوضع القائم، باعتباره يشكل تحدياً للزعامة الأمريكية العالمية.

 يمكن فهم النوايا الأمريكية تجاه بوتين، أو غيره ممن يعارضون السياسة الأمريكية، لكن جرت العادة أن يتم التعامل مع هذه القيادات بصمت، ومن خلال وسائل مختلفة استخدمتها الولايات المتحدة، وغيرها، للتخلص من هذه القيادات، وقد فعلتها أكثر من مرة، وفي أكثر من مكان.

 لكن أن يجاهر بايدن بأن هذا الرجل، ويقصد بوتين، “لا يمكن أن يبقى في السلطة” فهو خروج على ما هو متعارف عليه في العلاقات الدولية، لأنه يعني تدخلاً مباشراً في شؤون دولة أخرى عظمى، ويعني دعوة صريحة للتخلص منه، ولتغيير النظام في روسيا.

 وقد حاول مسؤولو البيت الأبيض التخفيف من وطأة هذا التصريح بالقول إن “وجهة نظر الرئيس هي أنه لا يمكن السماح لبوتين بممارسة السلطة على جيرانه أو المنطقة”، وإنه “لم يكن يناقش سلطة بوتين في روسيا، أو تغيير النظام”، وإن هذه العبارة “لم تكن ضمن التصريحات المعدّة للرئيس”. لكن بايدن قال في وقت لاحق “لن أتراجع عن أي شيء”، وأضاف “لم أكن أعبّر عن تغيير في السياسة، إنما بناء على مشاعري في ذلك اليوم”. وكان يشير إلى وجوده آنذاك خارج القلعة الملكية في العاصمة البولندية وارسو، عندما قال هذا الكلام.

 يذكر أن بايدن كان وصف بوتين قبل نحو أسبوعين بأنه “مجرم حرب”، و”قاتل”، و”بلطجي”، وقد سارعت واشنطن إلى اعتبار هذا الكلام مجرّد “زلّة لسان”، فيما اعتبر الكرملين ما قاله بايدن “لا يغتفر”، وأشار المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، إلى “إن الشعب الروسي فقط هو من يقرر وليس بايدن”.

 هذا الكلام من جانب الرئيس بايدن ليس “زلّة لسان”، بل هو موقف صريح ومعلن.

 الحقيقة أن الإدارة الأمريكية تعمل للتخلص من بوتين وتغيير النظام الروسي، وما قاله بايدن هو فعلاً ما يعمل من أجله، وليس مجرد تعبير عن حالة غضب، أو شعور إنساني تجاه ما يحصل في أوكرانيا. ذلك أن العقوبات الاقتصادية والمالية الهائلة التي فرضت على روسيا من جانب الولايات المتحدة والغرب، وتقديم دعم عسكري غير مسبوق لأوكرانيا، تهدف إلى تقويض الاقتصاد الروسي، وإلحاق خسائر كبيرة بالجيش الروسي لخلق حالة تمرد شعبية ضد بوتين لإخراجه من السلطة وتغيير النظام الروسي.

المصدر: صحيفة الخليج

شاهد أيضاً

عند الأفق المسدود في غزة

بقلم: عبدالله السناوي – صحيفة الخليج الشرق اليوم- استغلقت حرب غزة على أي أفق سياسي …