الرئيسية / مقالات رأي / عن إقبال التونسيين الضعيف على المشاركة في الاستشارة الوطنية

عن إقبال التونسيين الضعيف على المشاركة في الاستشارة الوطنية

بقلم: روعة قاسم – النهار العربي


الشرق اليوم – تعرض الرئيس التونسي قيس سعيّد لانتقادات شديدة من قبل المعارضة بسبب ما اعتبرته “إقبالاً ضعيفاً على المشاركة في الاستشارة الوطنية” التي تمثل المرحلة الأولى من خريطة الطريق التي أعلن عنها ساكن قرطاج، والتي ستؤدي إلى نهاية الفترة الاستثنائية. فبحسب ما أعلن عنه سعيّد في وقت سابق سيبدأ في المرحلة الثانية تشكيل اللجان التي ستتولى تعديل الدستور والقانون الانتخابي وقانون الأحزاب وربما قوانين أخرى، وذلك بالارتكاز على ما جاء في الاستشارة الوطنية.
وسيتم في المرحلة الثالثة استفتاء الشعب التونسي على الإصلاحات الدستورية والقانونية وذلك يوم 25 تموز (يوليو) المقبل في ذكرى إسقاط العرش الحسيني وإلغاء النظام الملكي وإعلان تونس جمهورية عام 1957. وتنتهي هذه المرحلة الانتقالية بانتخابات تشريعية تجرى نهاية هذا العام لتعود مؤسسات الدولة الديموقراطية للعمل بشكل طبيعي شريطة احترام كل التعهدات الواردة بخريطة الطريق.
اعتبر بعض أنصار المعارضة أن النصف مليون شخص، أو ما يزيد عليهم بقليل، الذين شاركوا في الاستشارة الوطنية، هم كل رصيد قيس سعيّد الانتخابي وذلك خلافاً لما توهمه نتائج سبر الآراء من أن الرجل يحظى بشعبية واسعة تؤهله للفوز بالانتخابات الرئاسية منذ الدور الأول. فالإقبال الضعيف على المشاركة في الاستشارة، برأيهم، هو رسالة ضمنية لساكن قرطاج مفادها أن هناك عدم رضىً عن سياساته المتبعة منذ 25 تموز (يوليو) 2021 تاريخ تجميده للبرلمان وحلّه للحكومة.
إن ما هو أكيد أن الاستشارة الوطنية ليست استفتاء على شعبية الرئيس ولو كانت كذلك لكان العدد فاق النصف مليون بكثير، فهي بالنهاية مجرد عينة لآراء مختلفة للاستئناس بها عند إعداد بنود الإصلاحات الدستورية والقانونية. إنها شأن عام موجه لشعب عُرف عنه عزوفه عن الشأن العام في السنوات الأخيرة بسبب الخيبات الاقتصادية والاجتماعية الحاصلة نتيجة عشرية الخراب “الإخوانية” التي طاولت كل الميادين.
كما يفسر البعض هذا الإقبال “الضعيف” على المشاركة في الاستشارة بالاختيار الخاطئ من قبل سعيّد ومحيطه بأن تكون هذه الاستشارة إلكترونية رغم أنهم يدركون صعوبة استعمال بعض الفئات العمرية للتقنيات الحديثة والمنصات الإلكترونية وتحديداً كبار السن. لقد عرف عن هذه الشريحة العمرية ومنذ الاستقلال أنها تُقبل على صناديق الاقتراع للتصويت لاختيار الرئيس وأعضاء البرلمان، لكنها للمرة الأولى تجد نفسها أمام امتحان بدا لها عسيراً وهو تقديم رؤيتها للإصلاحات التي يجب القيام بها من خلال الإنترنت والمنصات الإلكترونية، وبالتالي لم يكن مستغرباً أن لا تُقبل بكثافة على المشاركة.
ربما كان من الأفضل لو تمت استشارة المواطنين مباشرة في بيوتهم تماماً كما هو الأمر في التعداد السكاني حيث يجول أشخاص يتم انتدابهم وتكوينهم في منازل التونسيين في كل أنحاء البلاد ويطرحون جملة من الأسئلة يعرفون من خلالها لاحقاً وبدقة العدد الصحيح للسكان وكذلك بعض الإحصاءات المهمة التي يحتاجها الساسة للتخطيط للمستقبل. لكن مثل هكذا عمل يحتاج إلى وقت طويل للإعداد له، في حين أن الآجال التي أعلن عنها قيس سعيّد للخروج من المرحلة الانتقالية قصيرة ومحدودة في الزمن وغير كافية وهو ما جعلهم يلجأون على ما يبدو إلى المنصات الإلكترونية ووسائل الاتصال الحديثة.
وتجدر الإشارة إلى أن الفريق “الإخواني” وأنصاره والموالين له والذين يسخرون من نسبة المشاركة الضعيفة في الاستشارة لم يحصلوا خلال انتخابات 2019 سوى على نصف مليون صوت، ورغم ذلك أقاموا الأفراح والليالي الملاح ابتهاجاً بما اعتبروه “نصراً مبيناً” لم يسبقهم إليه أحد من الفاتحين. وبهذا العدد القليل من الأصوات تحكموا بالبلاد والعباد فجاءوا بمرشح لرئاسة الحكومة هو الحبيب الجملي ثم قرروا إزاحته بسبب خلافات داخلية، وعادوا وانخرطوا في حكومة إلياس الفخفاخ كأهم مكوناتها ثم أسقطوها ليلتفوا على الحكومة الموالية برئاسة هشام المشيشي ولم يتركوا البلد يستقر.
وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن النصف مليون صوت الذي حصلت عليه “حركة النهضة” الإخوانية والذي يعادل نسبة المشاركين في الاستشارة الوطنية فيه تزوير باعتبار أن نسبة من المصوّتين قد تم شراء ذممهم بالمال السياسي الخارجي وهو ما أكدته محكمة المحاسبات. وبالتالي من يستمع ويقرأ كل تلك الحملات الساخرة من أعداد المشاركين في الاستشارة يتبادر إلى ذهنه أن هؤلاء القوم يكتسحون الصناديق بملايين الأصوات وأنهم ليسوا السبب المباشر في عزوف التونسيين عن المشاركة في الحياة العامة ولا السبب المباشر الذي طاول كل المجالات نتيجة عشرية كاملة من حكم الهواة.

شاهد أيضاً

هدنة الفرصة الأخيرة

بقلم: يونس السيد – صحيفة الخليج الشرق اليوم- عودة الحديث عن إطلاق المفاوضات بشأن التوصل …