الرئيسية / مقالات رأي / أوكرانيا ـ روسيا… مَن انتصر ومَن انهزم؟

أوكرانيا ـ روسيا… مَن انتصر ومَن انهزم؟

بقلم: سوسن الشاعر –صحيفة الشرق الأوسط

الشرق اليوم- كيف يقاس النصر أو الهزيمة؟ الجواب أنه يقاس بمدى اقترابك أو ابتعادك عن الأهداف السياسية التي من أجلها تخوض معاركك العسكرية، لا بمدى الخسائر والهزائم أو حتى الانتصارات في المعارك العسكرية. لنتذكر أن كل حرب عسكرية أهدافها سياسية، وخسائرك قد تكون فادحة ولكن العبرة في مدى إنجازها الأهداف وإن كانت تلك الأهداف تستحق تلك الخسائر أم لا.

وعلى هذا الأساس هل تعتبر روسيا إلى اليوم (الجمعة 1 أبريل/ نيسان يوم تسليم المقال) منتصرة أم مهزومة، خاصة أن الحرب لم تضع أوزارها بعد؟ والجواب بقدر اقتراب روسيا من الأهداف المعلنة المراد تحقيقها من اجتياح أوكرانيا، وهنا علينا أن نتذكر أن مطالب روسيا من الأوكرانيين قبل دخولها الحرب كانت ضمانات أمنية وعدم الانضمام لـ”الناتو”.

أما بعد الاجتياح، فالرئيس بوتين وسّع من أهدافه ونقلها للرئيس التركي رجب طيب إردوغان لينقلها لأوكرانيا، وهكذا بدأت المفاوضات المباشرة بين الروس والأوكرانيين.

المطلب الأول، هو الحياد وعدم الدخول في حلف “الناتو”، وهذا ما رفضته أوكرانيا بتشجيع غربي قبل الحرب.

المطلب الثاني، هو الاعتراف بالسيادة الروسية على إقليم دونباس وجزيرة القرم، وهذا ما رفضته أوكرانيا بتشجيع أيضاً من الغرب قبل الحرب.

المطلب الثالث، هو الاعتراف باللغة الروسية في الأقاليم الانفصالية، وأن يتم التوقيع وجهاً لوجه مع الرئيس الأوكراني زيلينسكي! وهذا مطلب جديد بعد الحرب.

بعد الجولة الأولى من المفاوضات أبدت أوكرانيا استعداداً لمناقشة تلك المطالب بعد أن كانت ترفضها بحجة السيادة، وظناً أن الرئيس بوتين لا يجرؤ على دخولها وأن الغرب لن يتركها وحيدة، ثم جاءت الرياح الروسية عكس سير السفن الأوكرانية كما هو معروف.

المطلب الأول، الحياد، وقّعت أوكرانيا تعهداً مكتوباً بعدم طلبها الآن أو مستقبلاً، الانضمام لـ”الناتو”، والضمانات الأمنية تحقق الكثير منها بعد أن قُضي على العديد من القواعد العسكرية الأوكرانية والقوات الجوية الأوكرانية وعدد من المراكز البيولوجية الأميركية الأوكرانية التي كانت تشكّل تهديداً للأمن الروسي، والعالمي أيضاً.

المطلب الثاني، يجري التفاوض حول تنفيذه والبحث عن حلول للإشكاليات القانونية التي قد تعرقله، مثل ضرورة إجراء استفتاء على انفصال هذه الأقاليم، وهذا يدل على مرونة أوكرانيا في قبوله واستعدادها له.

المطلب الثالث، لم ولن يكون عائقاً في ظل الاتفاق على المطلبين الأولين.

ما الذي بقي إذاً؟

عدم احتلال روسيا للشرق الأوكراني كله؟ عدم دخولها لكييف حتى الآن؟ عدم قدرتها على السيطرة على أوديسا، الميناء المهم في المياه الدافئة الذي تحاول روسيا اجتياحه ولم تنجح فيه إلى الآن؟

ذلك صحيح، إنما في المقابل لتلك المناطق التي لم تسيطر عليها، هناك شريط شرقي حدودي بري كامل سيطرت عليه روسيا، وهناك مدينة ماريوبول الساحلية التي سيطر عليها الشيشان، كل ذلك يضاف “فوق البيعة”، إذا جاز التعبير، إلى المطالب الثلاثة التي تحققت أو قاربت على التحقق إن تمت المفاوضات على ما جاءت به نتائج الجولة الأولى.

فإن انتهت الحرب على هذه المعطيات وبعد هذه الحسبة، هل تعتبر أن الخسائر في الجيش الروسي تستحقها تلك المكاسب؟ تلك تحددها أهمية تلك المكاسب بالنسبة للأمن والاقتصاد الروسيين مستقبلاً، إنما المؤكد أن روسيا بتلك الحسبة ضمنت حياد أكبر دولة أوروبية على حدودها، وضمنت لها مواقع في المياه الدافئة، وعملت على فصل أهم إقليم يشكّل منجماً لها، فهل بعد هذه الحسبة تعتبر روسيا انتصرت أم لا؟

الإعلام الغربي هلّل حين صرّحت روسيا بأنها ستخفف التصعيد في القتال حول كييف ومدينة تشرنيهيف في أثناء المفاوضات، واعتبر ذلك إقراراً بالهزيمة بعجز الجيش الروسي عن هزيمة الجيش الأوكراني، ولنتذكر فقط أن الجيش الأوكراني يحارب بدعم لوجستي غربي كامل وتحركات خصمه مكشوفة تماماً.

الأهداف الأمريكية كانت من البداية جر روسيا للحرب وعزلها واختبارها عسكرياً وإضعافها عسكرياً واقتصادياً، وقد تحقق جزء كبير من أهدافها ولو مؤقتاً، ويعتمد نجاحها على قدرة الروس على التعافي من تلك الخسائر وتجاوزها أم لا، فهل يعتبر ذلك نصراً أمريكياً؟

أما المكاسب والخسائر التي هي خارج الحسبة كثيرة جداً جداً، بل هي خارج حدود الأوكرانيين والروس، وتشمل أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط والصين والهند.. باختصار العالم كله تأثر من هذه الحرب، وأمور كثيرة حدثت شكّلت منعطفات في تاريخ العلاقات الأمريكية – الأوروبية والأميركية – العربية والخليجية منها تحديداً، والنقاش يدور الآن على أن يحل الروبل والين محل الدولار، وهذا ما أجرى العديد من المتغيرات في علاقات العالم بالمحور الصيني – الروسي، تلك حسبة أخرى تحتاج إلى مقال آخر.

شاهد أيضاً

أيهما أخطر؟

بقلم: محمد الرميحي – النهار العربي الشرق اليوم- جاء الزمن الصعب لنسأل أنفسنا: أيهما الأكثر …