الرئيسية / مقالات رأي / العودة إلى الصخر الزيتي!

العودة إلى الصخر الزيتي!

بقلم: بول كروجمان – صحيفة الاتحاد

الشرق اليوم- ارتفع سعر النفط، الذي سجل انخفاضاً كبيراً خلال أسوأ فترات الجائحة، وجاء الارتفاع نتيجةً للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. هذا الارتفاع في الأسعار يضيف إلى التضخم المرتفع أصلا، ويثبط رد الفعل الغربي على العملية الروسية، حيث تحجم الحكومات عن تشديد العقوبات على صادرات الطاقة الروسية، خشية أن يُغضِب ارتفاع الأسعار ناخبيها. لكن ألا يجب أن نتوقع أن يساعد السوق في تخفيف هذه المشكلة؟

ألا تشكل الأسعار المرتفعة حافزاً لزيادة إنتاج النفط خارج روسيا؟ نعم، إنها تشكل حافزاً للقيام بذلك، وهناك في الواقع علامات على بعض الاستجابة في العرض على الأقل لارتفاع الأسعار. ومع ذلك، تشير معظم وسائل الإعلام حتى الآن إلى أن هذه الاستجابة محدودة وأن صناعة النفط الأمريكية، حيث من المحتمل أن يأتي معظم الإنتاج الإضافي، مترددة في التوسع. حسناً، هناك تذكير إلزامي بأن زيادة إنتاج النفط لن تكون بالضرورة شيئاً جيداً.

فما تزال مخاطر تغير المناخ تسبب رعباً متزايداً، ويحتاج العالَمُ إلى فطام نفسه عن الوقود الأحفوري وليس إنتاج المزيد منه. في أحسن الأحوال، يمكنك الاستعانة بحجة القديس أوجسطين: “اجعلني عفيفاً وملتزماً، لكن ليس بعد”، لزيادة إنتاج النفط خلال حرب أوكرانيا. لكن حتى هذا مشكوك فيه. ومع ذلك، فالاستجابة الفاترة من جانب منتجي النفط للأسعار المرتفعة للغاية، بحاجة إلى توضيح.

وبالطبع فإن المشتبه بهم المعتادون يلومون الرئيس جو بايدن المسؤول عن كل شيء. أو أنهم ينددون بدعاة حماية البيئة والتشريعات الحكومية.. هل تتذكر الاندفاع في إلقاء اللوم خلال أزمة الكهرباء عام 2021 في تكساس على الطاقة المتجددة، عندما كانت الإمدادات المعطلة من الغاز الطبيعي هي العامل الرئيسي في الواقع؟

لكن بنك الاحتياطي الفيدرالي في دالاس أجرى مؤخراً دراسةً استقصائيةً لمنتجي النفط، وسألهم عن السبب الذي يمنعهم من التوسع في الإنتاج. أغلبهم لم يلقوا باللوم على المنظمين أو دعاة حماية البيئة، بل بدلا من ذلك ألقوا باللوم على المصرفيين، وأجابوا بأنهم ينظرون إلى تداعيات فقاعة الصخر الزيتي التي تم تمويلها بالديون في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وكان إدخال تقنية التكسير، باستخدام نفاثات مائية عالية الضغط لتكسير الصخر الزيتي الذي يحتوي على الغاز الطبيعي والنفط، أمراً مهماً بلا شك.

لكن العديد من الأشخاص في عالم الأعمال (ومجتمع الأمن القومي) أعطوا أسلوبَ التكسير هذا أكبرَ من حجمه. لا أعرف كيف أحدد هذا، لكن إحساسي طوال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين كان أن الأشخاص الجادون جداً كانوا متحمسين للتكسير أكثر بكثير مما كانوا متحمسين للتطورات الثورية حقاً في مجال الطاقة المتجددة. على أي حال، بدا استخراج النفط والغاز أمراً صعباً وواقعياً، في حين أن عدداً مثيراً للدهشة من الأشخاص المؤثرين ما زالوا يربطون بين الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والخيالات.

وتُرجم هذا الحماس الجاد للهيدروكربونات إلى رغبة في ضخ الأموال في صناعة التكسير الهيدروكربوني، التي استنزفت الأموالَ عاماً بعد عام لكنها استمرت من خلال تراكم مئات المليارات من الديون. غير أنه في نهاية المطاف، اصطدمت هذه الطفرة الممولة بالديون بجدار. فقد بدا أن وفاة الرئيس التنفيذي السابق لشركة “تشيسابيك إنرجي”، في عام 2016، تمثل نهاية هذه الصناعة. وأصبحت شركة تشيسابيك في النهاية واحدة من أكثر من 230 شركة للنفط والغاز أعلنت إفلاسها منذ ذلك الوقت.

لكن الانهيار المالي لتقنية التكسير لم يتسبب في أزمة مالية أوسع نطاقاً، كما كان يخشى بعض المراقبين. والنبأ السيئ هو أن تداعيات ذلك الانفجار الداخلي، كما قلت، تمنع استجابة الغرب للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.

فقد فرض المصرفيون في قطاع الطاقة قيوداً صارمةً على الإنفاق رغم ارتفاع أسعار النفط. وربما كانوا يبالغون في ذلك: فمهما حدث في الحرب، من الصعب رؤية روسيا تنضم بالكامل إلى الاقتصاد العالمي لفترة طويلة، لذلك من المرجح أن تظل أسعار النفط مرتفعةً لفترة من الوقت. ومع ذلك، فإن حذر المقرضين لتقنية التكسير أمر مفهوم. ولكي نكون منصفين، يجب أن تأتي تعديلات الطاقة المهمة حقاً من أوروبا التي تحتاج إلى إنهاء اعتمادها على الغاز الطبيعي الروسي. وهناك، على ما أعتقد، درسان كبيران.

الأول أن الفقاعات لا تتضمن بالضرورة أفكاراً غير متوقعة. ويمكننا أن نسخر من المستثمرين الذين استقطبتهم تقنية وادي السيليكون، لكن من الممكن جداً أن نخسر مئات المليارات في المشاريع التي تبدو قوية للغاية، باستثناء حقيقة أن حساباتها لا تضيف شيئاً. والثاني أنه يمكن أن يكون للفقاعات المتفجرة تأثيرات طويلة الأمد.

أحد أسباب ارتفاع الإيجارات حالياً، إضافة إلى التضخم، هو الامتناع لفترة طويلة عن بناء المنازل والذي أعقب فقاعة الإسكان التي انفجرت قبل 15 عاماً. آمل فقط ألا يتمكن المدافعون عن الوقود الأحفوري من استخدام صدمة النفط الحالية لسحق نشطاء المناخ، الذين لا يتحملون أي مسؤولية عن الفوضى التي نمر بها.

شاهد أيضاً

بأية حال تعود الانتخابات في أمريكا!

بقلم: سمير التقي – النهار العربي الشرق اليوم- كل ثلاثة او أربعة عقود، وفي سياق …