الرئيسية / مقالات رأي / الصراع العالمي ضمن النمط الرأسمالي

الصراع العالمي ضمن النمط الرأسمالي

بقلم: حسام ميرو – صحيفة “الخليج”

الشرق اليوم – استعادت الحرب في أوكرانيا، العديد من الأسئلة الكبيرة، خصوصاً أنها تجري في القارة الأوروبية، التي انطلقت منها الرأسمالية، وتحوّلت تجربتها إلى تجربة مركزية في النمط الصناعي الرأسمالي، ولعل أبرز ما يمكن رصده على مستوى الأسئلة هو تشابكها وتداخلها؛ إذ يصعب فصلها عن بعضها البعض، فعلى مستوى الأمن العالمي، كان قد ساد اعتقاد، ولفترة عقود من الزمن، بأن الحرب في أوروبا هي خط أحمر، لا يمكن لأحد أن يتجاوزه، لكن الواقع العملي خلخل هذه القناعة، وحوّلها سريعاً إلى شيء من الماضي، فخلال بضعة أشهر، حدثت تطورات دراماتيكية، أفضت في نهاية المطاف إلى اشتعال حرب في قلب العالم الأوروبي المستقر.

وبغض النظر عن ادعاءات بعض اليسار في العالم بأن الحرب الراهنة هي حرب بين يسار ويمين، في استعادة لصيغة الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي، وما تتضمنه هذه الاستعادة من شعارات أيديولوجية، كان العالم قد نسيها، فإن الدول المنخرطة في الصراع، وفي مقدمتها روسيا، هي دول قائمة على النمط الاقتصادي الرأسمالي، فروسيا ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، لا يقوم اقتصادها، ولا تشريعاتها، على النمط الاشتراكي، وإنما ذهبت أشواطاً واسعة في تبني النمط الرأسمالي في الاقتصاد، ما يجعل من القول إن الحرب الراهنة هي صراع بين نمطين بلا أي معنى؛ بل أن هذه المقولة تصبح مضللة، في تفسير أسباب الصراع أولاً، وفي توقع مآلاته ثانياً.

النمط الاقتصادي الرأسمالي يحتوي على تنويعات عديدة، فهناك الرأسمالية الصناعية، والمالية، والرقمية، والتوسعية/ الإمبريالية، وهذا على مستوى السمات المحددة لطبيعة الاقتصاد في كل دولة، لكن أيضاً هناك اختلافات واسعة من حيث تبني الدول الرأسمالية لنظام الحكم السياسي، أو العقد الاجتماعي، والقوانين المتعلقة بحقوق الأفراد (الحقوق السياسية والمدنية)، ومدى الالتزام بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي تبنته الأمم المتحدة، في عام 1948، وهذا التنوع الكبير ضمن الرأسمالية يضع الدول الرأسمالية نفسها في حالة تضاد مع بعضها بعضاً، وهو تضاد قد يصل إلى حالة إعلان الحرب، حين يكون من غير الممكن الوصول إلى تسويات، حول الحصص أو الضمانات الأمنية أو تبني سلوك يتناقض مع ضرورات استقرار السوق الرأسمالية نفسها.

كان الفيلسوف والسياسي الأمريكي فرانسيس فوكوياما، قد وضع تصوراً لمسار الدولة، في كتابه الشهير «نهاية التاريخ والإنسان الأخير»، انطلاقاً من التداعيات المحتملة لنهاية الاتحاد السوفييتي، وسقوط المعسكر الشرقي/الاشتراكي، وقد رأى فوكوياما أن مصير الدولة، خصوصاً الرأسمالية، هو التحوّل نحو الليبرالية والديمقراطية، وتأسس هذا الطرح من تفاعل نظري بين مركزية الدولة عند الفيلسوف الألماني جورج فيلهلم هيجل (1770-1831)، الذي اعتبر أن الدولة هي «الروح المطلق للتاريخ»، وبين أطروحة تعميم العولمة كنظام وأيديولوجيا معاً، وهو ما جعل فوكوياما يفترض أن الدولة ستتحوّل آجلاً أم عاجلاً نحو نظام الحكم الليبرالي الديمقراطي، على غرار النمط الغربي، الأمريكي الأوروبي.

على الرغم من أهمية التفاعل النظري والمهم الذي أجراه فوكوياما، والذي يمتلك مشروعيته من الاستناد على الصعود القوي للعولمة في مختلف أرجاء العالم، مدعومة بالوسائل والممكنات التي أصبحت كثيرة ومتنوعة وقوية، بفضل ثورتي التقانة والاتصالات، لكن هذا التفاعل بقي ناقصاً لجهة عدم أخذه بالحسبان للتاريخ الخاص والفريد للأمم واحتياجاتها وطبيعة أزماتها، ومن ضمن هذا التاريخ الخاص مسألتي الثقافة والسيكولوجيا الجمعية.

كل الدول الأساسية اليوم في النظام الدولي هي دول رأسمالية، مندمجة بهذا القدر أو ذاك في الأنظمة العولمية، من صناعة وتجارة وتبادلات مالية وتعاون بحثي أو غير ذلك، وفي الوقت ذاته، تتصارع على موارد الطاقة والأسواق وزيادة النفوذ السياسي في محيطها الإقليمي أو في العالم، لكن ما يفرّقها هو الصراع على الحصّة الأكبر في سوق العمل الدولي، وإبقاء مسافات التراكم بين كل واحدة والأخرى غير قابلة للتجاوز، وبالتالي طريقة صياغة قواعد العلاقات في النظام الرأسمالي نفسه، ومن ضمنها قواعد حفظ الأمن والاستقرار في العالم، وتوزيع الأدوار بين الفاعلين الأساسيين.

إن تصوّر حدوث تحوّل نحو تبني كامل القوى الكبرى في المنظومة الرأسمالية للنظام السياسي الليبرالي الغربي هو محض تصوّر نظري/ أيديولوجي؛ إذ إن إحدى نقاط الخلل الكبرى والرئيسية في مثل هكذا تصوّر هو أنه يقلل من حدة الناقضات والتباينات بين الدول الرأسمالية نفسها، ويرفع من مستوى الجانب المعياري القيمي على حساب تخفيض الجانب المصلحي التنافسي/ الصراعي، والذي يعد الأساس في طبيعة الرأسمالية نفسها.

شاهد أيضاً

جامعات أميركا… حقائق وأبعاد

بقلم: إياد أبو شقرا- الشرق الأوسطالشرق اليوم– «الانتفاضة» التي شهدها ويشهدها عدد من الحُرم الجامعية …