الرئيسية / مقالات رأي / حرب الاقتصاد الساخنة

حرب الاقتصاد الساخنة

بقلم: نبيل سالم – صحيفة الخليج

الشرق اليوم- على الرغم من خطورة الأزمة الأوكرانية وتداعياتها الأمنية والعسكرية على العالم، إلا أنه يمكن القول إن هذه الأزمة دخلت منعطفاً كبيراً مع القرار الذي اتخذه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في رده على العقوبات الغربية على بلاده، من خلال حصر بيع الغاز والنفط الروسيين بالروبل الروسي. ذلك يعد ضربة قاسية للغرب، مع أنه يأتي كمحاولة للالتفاف على العقوبات المالية الغربية، وعبارة عن رد فعل روسي مشروع.

 ففي محاولة منه لدعم الروبل الذي عانى مؤخراً بسبب العقوبات غير المسبوقة ضد بلاده أعلن الرئيس الروسي عزمه بيع النفط الروسي بالعملة المحلية، وقال بوتين إن روسيا لن تقبل سوى مدفوعات بالروبل لقاء إيصال الغاز إلى الدول التي وصفها ب “غير صديقة”، في إشارة إلى الدول الأوروبية التي تعتمد بشكل كبير على الغاز الروسي.

 ووجه بوتين، بتنفيذ التغييرات في غضون أسبوع، لكنه أكد في الوقت ذاته أن بلاده ستواصل ضخ كميات الغاز المنصوص عليها في العقود الموقعة بين روسيا والدول الأوروبية، الذي يعد الغاز الروسي شريان الحياة بالنسبة للعديد منها.

 وتجدر الإشارة إلى أن روسيا حددت أكثر من أربعين دولة في قائمة الدول غير الصديقة وفي مقدمتها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وكندا وأستراليا ونيوزيلندا واليابان وغيرها من الدول التي تماشت مع العقوبات الغربية على موسكو.

 والحقيقة أن هذه الخطوة الروسية على الرغم من أنها ستجبر دول الغرب على التعامل مع المصرف المركزي الروسي الذي فرضت عليه عقوبات، فإنها تحمل المعاني الكثيرة قد يكون أبرزها تحدي الهيمنة الأمريكية ومحاولة الإفلات من هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي، كما أنها ستفاقم بالتأكيد أزمة الطاقة التي ستعيشها الدول الغربية الأوروبية، وأن المواطن الأوروبي سيكون المتضرر الأكبر، خصوصاً إذا ما علمنا بأن أوروبا الغربية تستورد 40 في المئة من احتياجاتها من الغاز من روسيا. وأن البدائل أمام أوروبا تبقي محدودة ولا تستطيع سد حاجة القارة المتعطشة للطاقة من الغاز، زد على ذلك أن تأمين مصادر بديلة عن الغاز الروسي سيحتاج إلى وقت قد يصل إلى أشهر على الأقل، ما يعني حدوث انتكاسة حقيقية في الكثير من مصانع الغرب، قد تصل إلى حافة الإفلاس.

 كما أن من شأن أي اضطراب في الإمدادات نتيجة لتغيير القواعد أن يفاقم أزمة الطاقة في أوروبا؛ حيث كان 58 في المئة من إجمالي مبيعات “غازبروم” الخارجية باليورو خلال الربع الثالث من العام الماضي مقابل 39 في المئة بالدولار الأمريكي، بحسب أحدث نشرة سندات لعملاق الغاز الروسي، كما أن هذه الخطوة قد تفيد في زيادة الطلب على الروبل في الأسواق المالية، وبالتالي سيشهد تعافياً ملحوظاً، بدأه منذ خطاب بوتين بهذا الشأن؛ إذ ارتفعت العملة الروسية إلى ما يقل قليلاً عن 96 روبلاً مقابل الدولار. ومقابل اليورو، ارتفع الروبل بمقدار 3% ليصبح سعره 105، أي أعلى بكثير مما حققه في وقت سابق من هذا الشهر؛ إذ بلغ 132 روبلاً لليورو الواحد.

 وخطوة الرئيس الروسي هذه على الرغم من أنها تبدو خطوة اقتصادية بحتة، أملتها الظروف القاسية التي جلبتها العقوبات على موسكو، فإنها تحمل في الوقت ذاته مدلولات سياسية عميقة، خاصة أن هناك العديد من الدول لم تصغ إلى الإملاءات الأمريكية، وتستمر في التعامل التجاري مع روسيا كالصين والهند وغيرهما من الدول التي تربطها علاقات متينة بروسيا، ناهيك عن دول أخرى في أمريكا اللاتينية وإفريقيا. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل إلى انقسام عالمي، وظهور كتلة عالمية تسعى إلى الخروج من تحت هيمنة الدولار الأمريكي، على المعاملات الاقتصادية الكبرى في العالم.

 فهل نشهد بداية عالم جديد، يعيد إلى الأذهان حقبة الحرب الباردة، والتكتلات السياسية والاقتصادية التي أفرزتها؟

 إنه سؤال يبدو أن الأيام هي من تحمل الإجابة عنه، إضافة إلى السيناريو الذي ستنتهي به الأزمة الأوكرانية الملتهبة.

شاهد أيضاً

الأمل المستحيل لإسرائيل

بقلم: عاطف الغمري – صحيفة الخليج الشرق اليوم- عندما يطرح مركز بحوث أمريكي مؤيد دائماً …