الرئيسية / مقالات رأي / الأزمة الأوكرانية.. والحرب الهجين

الأزمة الأوكرانية.. والحرب الهجين

بقلم: د. ياسر عبد العزيز – المصري اليوم

الشرق اليوم – يستسهل البعض توقع مآلات المعركة المستعرة حاليًا في أوكرانيا، فيبادر إلى القول إن «القدرة العسكرية الروسية الضخمة والنوعية ستتمكن من حسم الأمر، بما يسفر عن انتصار ساحق تركع فيه كييف، ويتجرع الغرب من ورائها مرارات الهزيمة». وعلى المنوال نفسه يذهب آخرون إلى توقع نتيجة مغايرة تمامًا؛ إذ يعتمدون على طوفان كاسح من الأخبار والتحليلات الغربية التي ترى أن «أوكرانيا ستصمد، وستمرغ أنف القوة الروسية في التراب، بما يوفره لها الدعم الغربي من وسائل مقاومة صلبة وناعمة، ما يفضي إلى هزيمة استراتيجية ساحقة للروس».

والواقع أن محاولة استشراف نتائج تلك الأزمة على الصعيدين العسكري والسياسي أصعب بكثير مما يبدو وأكثر تعقيدًا؛ إذ يمكن القول ببساطة إن الحرب الدائرة حاليًا في أوكرانيا تمثل الأنموذج الأوضح لما باتت عليه الحروب اليوم وما ستكون عليه مستقبلًا؛ وهذا الأنموذج هو ما اصطلحت على تسميته مستودعات التفكير العالمية الرصينة: «الحرب الهجين».

لا يمكن النظر إلى الحرب بوصفها مفهومًا «استاتيكيًا» ثابتًا مستقرًا، وإنما هي حالة متغيرة بتغير الأزمنة والأدوات والتحديات التي تفرضها أوضاع التنافس والنزال.

لذلك، يمكن قبول التصنيفات التي أقرها علماء وباحثون مرموقون في شأن أجيال الحرب المختلفة، التي سبق أن وصفها فيلسوف الحرب الأشهر كلاوزفيتز بأنها «تتلون كالحرباء».

ويبدو أن أحدث أجيال الحرب وأكثرها تعبيرًا عن حالة النزال الراهنة ليس سوى جيل «الحرب الهجين» (Hybrid Warfare)، التي يمكن تعريفها بأنها «استراتيجية عسكرية تجمع بين الحرب التقليدية، والحرب غير النظامية، والحرب السيبرانية»، وهي أيضًا «الهجمات التي تستخدم فيها الأسلحة كافة، وأساليب الحرب المختلفة، بما فيها حرب المعلومات»، أو هي «توليفة من أنواع مختلفة من التهديدات، تتضمن استخدام الوسائل التقليدية والتخريبية والسيبرانية».

سيكون بمقدورنا أن نُعرّف معظم الحروب التي جرت قبل الحرب العالمية الأولى بأنها «حروب تقليدية»؛ إذ ينتظم الجيشان المتقاتلان في جبهتين متقابلتين، تم تحديدهما سلفًا، ويستخدم كلاهما أنواعًا متقاربة من الأسلحة، ويتم حسم المعركة من خلال القدرة على إيقاع أكبر قدر من الخسائر في القوة المعادية، بما يجبرها على تقديم تنازل، أو يحملها على الاستسلام.

لكن الحروب أخذت تتلون لاحقًا، وتتخذ أشكالًا مختلفة؛ وهو الأمر الذي واكبه التنظير الخاص بتقسيم الحروب وتمييزها إلى أجيال، وصولًا إلى أحد أحدث هذه الأجيال، الذي وُصف بأنه جيل «الحرب اللامتماثلة».

نشأ مصطلح «الحرب اللامتماثلة» لمقابلة حالة الحرب التي ينخرط فيها جيش نظامي في مواجهة «عصابة» أو جماعة مسلحة غير نظامية؛ وهو أمر تكرر كثيرًا مع بروز التهديد الإرهابي في مناطق مختلفة من العالم.

لكن مصطلح «الحرب اللامتماثلة» لم يعد قادرًا على تفسير وشرح حروب جديدة اندلعت في أكثر من بقعة؛ وهي حروب شهدت انخراط قوات نظامية ولا نظامية، وتوظيف أدوات جديدة، لم يكن بالوسع توظيفها في الحروب السابقة، والأهم من ذلك أن جبهة تلك الحروب اتسعت لتشمل الفضاء الإلكتروني باعتباره ساحة مهمة للمواجهة وتحقيق الاختراق.

مع بروز مصطلح «الحرب الهجين» ومعاينة أثره في واقع الحروب، لم يعد مفهوم الحرب مقتصرًا على العمليات الحربية في جبهات القتال؛ إذ اختفت الحدود الفاصلة بين حالتي الحرب واللاحرب، وبين المقاتل والمدني، وبين الأدوات والوسائل الاجتماعية وآليات القتال.

لقد تغيرت طبيعة التسليح بموازاة ترسخ حالة «الحرب الهجين»، وبينما تظل البندقية والطائرة والصاروخ والعبوة الناسفة أدوات مهمة في تلك الحرب، فإن أدوات جديدة تنضم إلى قوائم التسلح؛ وبينها أجهزة كمبيوتر، و«هاكرز» محترفون، ومعلومات مضللة على وسائط «التواصل الاجتماعي»، وعقوبات اقتصادية وسياسية. يحارب الروس بالمدفع والمدرعة والصاروخ و«المرتزقة» والهجمات السيبرانية والتعتيم على الإعلام الغربي، بينما يواجههم الأوكرانيون بكل هذه الوسائل، مضافًا إليها الآلة السياسية والاقتصادية والإعلامية واللوجستية والسيبرانية الغربية الضخمة والمؤثرة. والعالم يشاهد ويتابع ويدفع الأثمان الموجعة، ويخفق في توقع المآلات.

شاهد أيضاً

أميركا إذ تتنكّر لتاريخها كرمى لعينيّ نتنياهو

بقلم: راغب جابر- النهار العربيالشرق اليوم– فيما تحارب إسرائيل على أكثر من جبهة، تزداد يوماً …