الرئيسية / مقالات رأي / الجانب النووي من تداعيات الحرب

الجانب النووي من تداعيات الحرب

بقلم: ناصر زيدان – صحيفة الخليج

الشرق اليوم- من المفيد التذكير بأن الولايات المتحدة هي التي شجعت على الوصول إلى اتفاقية بين روسيا وأوكرانيا في عام 1991، تقضي بتسليم الأخيرة كافة أسلحتها النووية إلى موسكو، وقد أعيد التوقيع على الاتفاق في بودابست عام 1994 بحضور الرئيس الأمريكي كلينتون والرئيس الروسي بوريس يلتسين والرئيس الأوكراني ليونيد كوشيما ورئيس وزراء بريطانيا في حينها جو ميجر، لمنع خطر استخدام التكنولوجيا العسكرية النووية الأوكرانية في الداخل والخارج. وللولايات المتحدة مصلحة في حصر الصراع القطبي مع خصم واحد كروسيا، لأنها تدرك مخاطر تفلّت الانتشار النووي، كما أن هذا الحصر يفيدها لأنه يدفع حلفاءها الأوروبيين للانضباط في الاصطفاف خلفها لمواجهة الخطر الروسي.

وأوكرانيا التي كانت تملك ما يقارب 2000 رأس نووي سلمتها لروسيا بعد انفراط الاتحاد السوفييتي، لديها أكبر محطة نووية في أوروبا تقع في مدينة راباروجيا جنوب شرقي البلاد، وعندها محطات عديدة أخرى، منها محطة تشرنوبيل التي حصل فيها الانفجار النووي عام 1986، وهي تقع على فالق جيوسياسي حساس بالنسبة لروسيا، لأن موسكو لا تبعد أكثر من 480 كلم عن حدود أوكرانيا، ويمكن للصواريخ الحديثة السريعة أن تصل إليها خلال أقل من ثلاث دقائق. والقطبان الأمريكي والروسي يلعبان على الساحة الأوكرانية بخلفيات استراتيجية واضحة. فموسكو تدرك أهمية أوكرانيا لأمنها ولاقتصادها الزراعي ولامتداداتها الديموغرافية السلافية، وواشنطن تعرف قيمة الاستثمار السياسي والعسكري في البيئة الأوكرانية، ونجحت في قلب نظام الحكم الذي كان يوالي موسكو من خلال دعمها لثورة برتقالية. والطرفان مشدودان إلى حالة الاستقطاب التي تشكلها أوروبا بالنسبة للعالم، ويرغب كل منهما في زيادة التأثير في هذا الفضاء.

ثماني اتفاقيات نووية وقعتها واشنطن مع موسكو منذ عام 1963، وقد تلاشت معظمها بفعل الإهمال والنسيان، أو بفعل التحلل، وبقيت اتفاقية ستارت – 3 على حيويتها بعد تجديدها لمدة 5 سنوات تنتهي في فبراير/شباط 2026، وهي معاهدة أبرمت في عام 2011 للحد من انتشار الأسلحة الهجومية النووية، ولمراقبة حراك الصواريخ الاستراتيجية التي تحمل رؤوساً نووية.

منذ عام 2014 دشّن الطرفان الأمريكي والروسي مقاربات نووية جديدة، وزادت وثيرة التنافس بعد أن توصلت الولايات المتحدة إلى صناعة القنبلة “بي – 61″، ذلك أن خطورة هذه القنبلة تفوق أي تصور، لأنها تحمل رؤوساً نووية محدودة التأثير من حيث المكان، وقادرة على تدمير المنشآت التي تتمركز في التحصينات وتحت الجبال، ويمكن إطلاقها من الجو ومن ارتفاعات شاهقة، لا تستطيع أجهزة الرادار اكتشاف الطائرات التي تحملها. وقد عمدت موسكو على تطوير صواريخ مشابهة تفوق سرعتها سرعة الصوت، ومن الصعوبة اعتراضها. وتشير المعلومات إلى أن إعادة ضم روسيا لجزيرة القرم الأوكرانية عام 2014 كان بهدف الحؤول دون تمكين حلف الأطلسي من إنشاء قاعدة عسكرية في بحر آزوف.

تهديد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستخدام السلاح النووي إذا ما تعرضت بلاده إلى خطر؛ يؤكد أن للجانب الاستراتيجي تأثير كبير في الحرب التي تجري في أوكرانيا، وموسكو لا تستطيع بالوسائل السياسية والدعائية والمالية الوقوف في وجه الجنوح عند بعض القيادات الجديدة في أوكرانيا، ودخلت في الميدان العسكري بعد أن تأكدت أن واشنطن لن تتدخل عسكرياً للدفاع عن أوكرانيا، والعقوبات المالية والاقتصادية تؤذي موسكو، لكنها لا تخيفها، والرئيس بوتين كان قد أسس لوضعية تجارية متقدمة مع الصين والهند وغيرهما، تسمح له باختراق الحصار، بما في ذلك التوافق مع هؤلاء على تبادلات تجارية من دون استخدام الدولار الأمريكي.

وضعت روسيا يدها على أهم المحطات النووية الأوكرانية، لأنها كانت تخشى من قدرة هذه المحطات على إنتاج سلاح نووي. وما عُرض على شاشات التلفزة من منشآت كانت تعمل على إنتاج سلاح بيولوجي وكيميائي بتكنولوجيا أمريكية قد يكون صحيحاً، لأن القيادة الأوكرانية لم تخفِ نواياها بامتلاك وسائل ردع بوجه التمدد الروسي، بما في ذلك طلب الانضمام إلى حلف الأطلسي، وهو طموح فيه مبالغة كبيرة، ولا يمكن لروسيا أن تسمح بتحقيقه حتى ولو اضطرها الأمر التفلّت من القيود التي تفرضها معاهدة ستارت – 3 النووية.

شاهد أيضاً

الأمل المستحيل لإسرائيل

بقلم: عاطف الغمري – صحيفة الخليج الشرق اليوم- عندما يطرح مركز بحوث أمريكي مؤيد دائماً …