الرئيسية / مقالات رأي / Foreign Policy: أوروبا لن تستضيف اللاجئين إلى الأبد

Foreign Policy: أوروبا لن تستضيف اللاجئين إلى الأبد

الشرق اليوم- استعملت روسيا القوة عشوائياً خلال غزوها الأخير لأوكرانيا، فهجّرت بذلك نسبة كبيرة من سكان البلد، حيث هرب ثلاثة ملايين منهم نحو الغرب ووجدوا هناك ترحيباً واسعاً وملاجئ آمنة.

في ألمانيا، ينتظر الناس في محطات القطارات ويعرضون على اللاجئين البقاء في منازلهم، وفي رومانيا، يتجه سكان القرى إلى الحدود لنقل اللاجئين إلى بر الأمان، وفي بولندا تترك الأمهات عربات الأطفال في محطات القطارات كي يستفيد منها أولاد اللاجئين الأوكرانيين، وفي حين يهرب الأوكرانيون من الحرب ويجدون من يستقبلهم بأفضل الطرق، يتجمد السودانيون الهاربون من الأعمال الوحشية في الغابات المجاورة، لذا من المبرر أن يشير المراقبون إلى ازدواجية المعايير في طريقة تعامل أوروبا مع اللاجئين، ويصعب أن يغفل أحد عن هذا النفاق.

يمكن تفسير التعاطف الواسع مع الأوكرانيين بالانتماء العرقي والثقافة المألوفة، لكن لا تُعتبر الهوية معياراً ثابتاً ولا تضمن الديانة المسيحية والبشرة البيضاء استمرار مظاهر الضيافة دوماً، ففي بريطانيا مثلاً، لم تكن مواصفات العيون الزرقاء والشعر الأشقر كافية لحماية البولنديين من العنصرية خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وانتقلت مشاعر كره الأجانب إلى الرومانيين والبلغاريين بعد عام 2010.

يُعتبر الوقت عاملاً مؤثراً أيضاً، فقد تطورت الأحداث في أوكرانيا سريعاً واتضحت معالم الأزمة الإنسانية خلال أيام، لكن إذا لم يتوصل المعنيون إلى حل سريع للأزمة وعجز الأوكرانيون عن العودة إلى بلدهم، فقد تتراجع مرتبة اللاجئين أيضاً ويصبحون مجرّد “مهاجرين”، وفي هذه الحالة، لن يمنحهم لون بشرتهم حماية كافية. حتى الآن، تبذل الدول الغربية قصارى جهدها لتجنب هذا الوضع، وعلى عكس السوريين مثلاً، حصل الأوكرانيون على وسائل معينة للدفاع عن أنفسهم، مع أنها ليست كافية لمجابهة تحركات الجيش الروسي الوحشية، ومع ذلك لم تنطفئ آمال الأوكرانيين بعد، فهم يملكون فرصة لمتابعة القتال.

تبدو أوروبا سخية حتى الآن لأنها تفترض أن الصراع سينتهي بالسرعة التي بدأ فيها، ويتمنى الجميع أن يستمر هذا السخاء وأن تصبح طريقة ترحيب أوروبا باللاجئين الأوكرانيين نموذجاً يُحتذى به في التعامل مع اللاجئين بشكل عام.

لكن تتعلق أهم مساعدة يستطيع الغرب تقديمها بمنع الناس من التحول إلى لاجئين منذ البداية، وتقضي أول خطوة أساسية في هذا المجال بتجديد الأمل عبر حماية الناس من التحركات العسكرية العدائية أو منحهم الوسائل اللازمة لمقاومتها، فقد بدأت أوروبا أخيراً تطبّق هذه المقاربة في أوكرانيا لأن الحرب تحصل على أعتابها هذه المرة، لكن لو قدّمت أوروبا الوسائل المناسبة للسوريين كي يدافعوا عن أنفسهم في عام 2012، كان ردع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيزداد سهولة وكانت أوكرانيا ستتجنب الغزو الراهن والمعاناة المترتبة عنه.

لكن روسيا نجحت في التدخل في سورية حينها لأن الحكومة الأمريكية كانت تخشى انهيار النظام، وفي عام 2016، تزامناً مع تراكم الأدلة حول إقدام روسيا على قصف المستشفيات بطريقة منهجية، حاولت الولايات المتحدة استمالتها عبر إقامة شراكة لمكافحة الإرهاب، لكنّ سنوات الاسترضاء أقنعت بوتين أخيراً بأنه يستطيع غزو أوكرانيا من دون التعامل مع مقاومة تفوق ما واجهه حين ضمّ شبه جزيرة القرم في عام 2014، ونظراً إلى غياب العواقب بعد قصف المراكز الصحية في سورية، تُكرر قوات بوتين اليوم النمط نفسه في أوكرانيا، فقد أطلقت 43 هجوماً ضد المستشفيات والمنشآت الطبية حتى الآن.

كان الغرب متسامحاً مع حروب بوتين في أماكن أخرى، وظنّت “القلعة الأوروبية” أنها تستطيع حماية نفسها من تداعيات تلك الصراعات، لكن سرعان ما أصبحت الحروب أقرب إليها ولم تعد أوروبا قادرة على تجنب آثارها، وفات الأوان على التساؤل حول مصدر التهديدات المطروحة لأن الخطر أصبح اليوم في جوار أوروبا.

شاهد أيضاً

تركيز أميركي على إبعاد الصين وروسيا عن أفغانستان!

بقلم: هدى الحسيني- الشرق الأوسطالشرق اليوم– لا شك في أن كل الأنظار تتجه إلى التطورات …