الرئيسية / مقالات رأي / هل ستكون حرب بوتين درسا وعبرة للصين؟

هل ستكون حرب بوتين درسا وعبرة للصين؟

بقلم: د. عماد بوظو – الحرة

الشرق اليوم- صحيح أن أنظار كافة دول العالم تتجه نحو أوكرانيا منذ الغزو الروسي لهذا البلد، ولكن هناك طرفا محدّدا يبدو الأكثر اهتماما بمآلات هذه الحرب رغم آلاف الأميال التي تفصله عنها وهو الصين، وذلك لوجود تشابه يصل إلى حدّ التطابق بين وضع أوكرانيا ووضع تايوان.

فبوتين يعتبر أوكرانيا جزءا من الإمبراطورية الروسية ويستند في ادعائه هذا على وجود فترات من التاريخ المشترك بين الشعبين، وكذلك يعتبر الحزب الشيوعي الصيني أن تايوان جزء لا يتجزّأ من الصين لم ينفصل عن وطنه الأم إلّا في أربعينيات القرن الماضي.

ولكن الواقع أن شعوب أوكرانيا وتايوان قد اختطّت لنفسها منذ سنوات طويلة طريقا مختلفا تشارك فيه المجتمع الدولي قيمه ومفاهيمه واعتمدت نظاما ديمقراطيا مختلفا تماما عن النظام الروسي والصيني اللذين قدّما نموذجا للحكم الاستبدادي دفع الشعبين الأوكراني والتايواني اللذين اعتادا على مناخ الحريّة للقيام بكل ما في استطاعتهما حتى لا يقعا تحت قبضته. 

ونتيجة للمطامع الصينية تعرّضت تايوان خلال الأشهر الماضية لاستفزازات متواصلة من جانب بكين تمثّلت في اختراق طائرات وسفن حربية صينية لأجوائها ومياهها الإقليمية مرارا وتكرارا على أمل أن تقوم تايوان بأي رد فعل يعطي الصين مبرّرا لغزوها.

ولكن ما حدث خلال الأسابيع الماضية في أوكرانيا قد يدعو الصين لإعادة حساباتها، فقد هاجم بوتين هذا البلد وهو على قناعة بأنه سيحقق نصرا سريعا وسهلا، وأن العالم لن يستطيع القيام بشيء لمواجهته بعد تلويحه باستخدام الأسلحة النووية ضد أي طرف يحاول الوقوف في وجهه، ولكن الأمور لم تسر مع بوتين على ما يرام.

فقد قاتل الشعب الأوكراني ببسالة دفاعا عن حريته واستقلاله، وتبيّن أن نسبة من يريد في أوكرانيا أن يكون جزءا من روسيا لا يذكر، حتى أن كثيرا من الناطقين باللغة الروسية لا يرغبون في ذلك، كما تبيّن أن السلاح الغربي أكثر فعالية بما لا يقاس من الأسلحة الشرقية مما جعل العملية العسكرية مكلفة بشريا للروس، ومما جعل فترة الحرب أطول من المتوقع مما أعطى المجتمع الدولي وقتا كافيا لبلورة رد فعل عالمي يتناسب مع حجم العدوان.

وكذلك لم يكترث أحد للتهديدات النووية لبوتين، فقد قامت دول الغرب بتزويد أوكرانيا بالسلاح وفرضت عقوبات غير مسبوقة على روسيا، كما تضامنت جميع هذه الدول من الولايات المتحدة مرورا بأوروبا حتى كوريا الجنوبية واليابان واستراليا في موقف موحّد لم يحدث منذ عقود تضمّن إنزال عقوبات اقتصادية لم يسبق لها مثيل على روسيا.

ومثل هذه العقوبات في حال تطبيقها على الصين فإن آثارها ستتجاوز بما لا يقاس آثارها على روسيا، لأن الشريكين التجاريين الأول والثاني للصين هم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحجم التبادل التجاري لكل منهما مع الصين يتجاوز 580 مليار دولار سنويا.

ويسجّل الميزان التجاري مع هذين الشريكين فائضا لمصلحة الصين بحدود 450 مليار دولار سنويا، أما بقية الشركاء التجاريين فهم، حسب التسلسل” اليابان (300 مليار)، تليها كوريا الجنوبية ثم تايوان وأستراليا، ويشكّل هؤلاء وهم جميعا من دول الغرب القسم الأكبر من تجارة الصين الخارجية.

وليس من الصعب تصوّر الانعكاسات الكارثية لعقوبات اقتصادية من هذه الدول على الصين في حال اعتدائها عسكريا على تايوان، لأن اقتصاد الصين أكبر بعشر مرات من الاقتصاد الروسي وأكثر تطورا منه بما لا يقاس وأكثر تداخلا مع الاقتصاد الغربي، مما يجعل العلاقة الحسنة بين الصين والغرب الشرط الأساسي الذي لا يمكن للصين أن تتابع بدونه وجودها كقوة اقتصادية عظمى.

ورغم أن مثل هذه العقوبات ستؤدي إلى انعكاسات سلبية على دول الغرب ذاتها ولكن الحرب الأوكرانية أظهرت وجود خيارات عديدة للتعامل مع مثل هذه الحالات، فالاتحاد الأوروبي، وخاصة ألمانيا، ولأنها لا تستطيع الاستغناء عن الغاز الروسي حاليا فقد وضعت خططا محددة للتخلي عنه تدريجيا بحيث تتخلص نهائيا من الاعتماد على هذا الغاز في عام 2027 كحد أقصى، أي أن هناك آثارا مباشرة لحرب بوتين على أوكرانيا وهناك آثار أخرى أكبر ستظهر تدريجيا خلال السنوات القادمة.

كما توجد ناحية أخرى لا تقل أهمية، وهي أن الصين التي تمتلك احتياطيا نقديا هائلا يفوق 3.2 تريليون دولار قد وضعت أغلب هذا الاحتياطي بالعملة الأميركية، كما أنها وظّفت القسم الأكبر من فائضها النقدي في دول الغرب، بينها ما يقارب 1.1 تريليون دولار وضعتهم في سندات الخزانة الأمريكية ومئات مليارات الدولارات في استثمارات متنوعة، فالحكومة الصينية تتصرف مثل رجل الأعمال الذي يبحث عن أضمن الوسائل للمحافظة على أمواله وزيادتها مع أقل ما يمكن من المخاطر.

ولهذا هي تبحث عن الدول المستقرة سياسيًا والتي تمتلك اقتصادا حيويا متنوعا وعملة قوية، وهذه الشروط لا تتوافر إلّا في دول الغرب، وهناك فرق آخر لابد من ذكره بين الحالتين الروسية والصينية وهو أن أغلب الأموال الصينية المستثمرة في الخارج هي أموال الحكومة الصينية، بينما أغلب الأموال الروسية الموجودة في الغرب هي أموال المليارديرات الروس المحيطين بالسلطة، وبالتالي فإن أي عقوبات على الأموال والاستثمارات الصينية في الخارج ستنعكس مباشرة على الوضع المالي للنظام الصيني.

كما كان من آثار غزو بوتين لأوكرانيا قيام الدول الأوروبية بتقوية جيوشها الوطنية بدل الاعتماد على القوة العسكرية الأمريكية كما كان الحال منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وظهر هذا بأوضح صوره في ألمانيا التي بدأت في بناء جيش قوي لمواجهة أي عدوان عسكري عليها وعلى أوروبا.

وفي حال قيام الصين بغزو تايوان، فليس من المستغرب أن تقوم اليابان بإعادة بناء جيشها، ولليابان كما هو معروف، تملك إمكانيات اقتصادية هائلة ومستوى علميا بالغ التطوّر وتقاليد عسكرية عريقة، مما قد يجعل من اليابان خلال فترة زمنية قصيرة قوة عسكرية تستطيع تغيير ميزان القوى في شرق آسيا بشكل جوهري.

كما كان من نتائج العدوان الروسي بثّ الروح في حلف شمال الأطلسي، وإذا حدث عدوان صيني على تايوان فإن التحالفات التي قامت مؤخرا مثل “كواد” بين الولايات المتحدة واليابان والهند واستراليا وتحالف “أوكوس” (الأمريكي-البريطاني-الأسترالي) ستقوى وتتوسع وستتحول إلى قوة عسكرية حقيقية قادرة على احتواء الصين ومواجهتها خصوصا أن الصين من خلال سياستها الإقليمية الاستفزازية التي شملت جميع جيرانها لم تترك من أصدقاء على حدودها.

كما أن ما ينقله الإعلام اليوم عن تدمير للمدن الأوكرانية وسقوط الضحايا المدنيين نتيجة العدوان الروسي والتي يعتبرها العالم جرائم حرب يعطي فكرة عما سيحدث في حال غزو الصين لتايوان وهي بلد كثيف سكانيًا يعيش فيه 24 مليون إنسان في مساحة جغرافية صغيرة.

ومن الطبيعي أن يحمّل العالم الصين مسؤولية الضحايا المدنيين الذين سيسقطون في حرب يرى العالم أنه لم يكن لها داعٍ مما سيعقّد من موقف الصين الدولي ويضرب سمعتها بطريقة من الصعب إصلاحها.

ويبدو أن الصين قد أدركت أنه حتى لو انتصرت روسيا عسكريا على أوكرانيا فإن الآثار الاقتصادية والسياسية لهذه الحرب لن تكون في مصلحة النظام الروسي على المدى المتوسط والبعيد، كما أدركت انعكاس ما يحدث مع روسيا عليها، لذلك وقفت إعلاميا مع روسيا وحذّرت من محاصرة دولة نووية عظمى بأحلاف معادية لأن هذا ما يحدث حاليا مع الصين نفسها، كما ندّدت بالعقوبات الاقتصادية على روسيا لكن دون دعمها عسكريا، مما قد يشير إلى درجة من الواقعية السياسية، رغم أن تجارب التاريخ تقول إنه من الصعب على الأنظمة الشمولية الاستفادة من أخطائها أو من أخطاء الآخرين.

شاهد أيضاً

هل تنجح طهران خارج محور المقاومة؟

بقلم: عادل بن حمزة- النهار العربيالشرق اليوم– دخلت منطقة الشرق الأوسط فصلاً جديداً من التصعيد …