الرئيسية / مقالات رأي / تشرشل الثاني

تشرشل الثاني

بقلم: د. مصطفى جودة – المصري اليوم

الشرق اليوم – بتاريخ 12 سبتمبر 1987، نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالًا مفاده أن المرشح الرئاسي جوزيف بايدن المرشح لانتخابات 1988 يستخدم في خطاباته الانتخابية اقتباسات من خطاب لنيل كينوك، زعيم حزب العمال البريطاني، ألقاه بتاريخ 15 مايو 1987، ورد فيه: «لماذا أنا أول فرد في عائلة كينوك يلتحق بالجامعة خلال ألف جيل من العائلة، ولماذا زوجتي (جلينس) هي الأولى في عائلتها التي التحقت بالجامعة مثلي؟». كشفت «نيويورك تايمز» أن المرشح بايدن استخدم، في خطاب له نفس الكلام: «لماذا أنا جوزيف بايدن هو أول فرد من عائلته يلتحق بالجامعة، ولماذا زوجتي (جيل) هي الأولى في عائلتها التي التحقت بالجامعة؟».

عندما تم اكتشاف ذلك الاقتباس اضطر المرشح بايدن حينها إلى الانسحاب من الانتخابات الرئاسية. كان هذا أمرًا طبيعيًا لأن عملية الاقتباس (بليجرزم) تمثل غشًا وجريمة خلقية إذا لم تُشِر إلى المصدر الأساسي لها في كل ما يُكتب من مقالات صحفية وعلمية وكتب وخطابات على جميع المستويات التعليمية والحرفية، وهناك عقاب يترتب عليها للفاعل، حتى لو كان تلميذًا مستجدًا لا يعرف القواعد.

يحدث حيود عن هذه القاعدة الأساسية أمام أعين الجميع في كل خطابات الرئيس الأوكراني زيلينسكي منذ بداية الحرب الأوكرانية، ولا أحد يُعقِّب أو يُلفت النظر إلى المصادر الأساسية لمحتوى خطاباته المليئة بالاقتباسات من الزعماء السابقين. بالعكس نجد أن الغرب يمتدحه عليها ويصفق له ويمنحه كل يوم منبرًا إعلاميًا بدعوته إلى إلقاء خطابات افتراضية أمام البرلمانات الغربية: البرلمان البريطاني يوم 8 مارس، والبرلمان الكندي يوم 15 مارس، والكونجرس الأمريكي يوم 16 مارس، والبرلمان الألماني 17 مارس. في كل هذه الخطابات الافتراضية يتحدث الرئيس الأوكراني عن العدوان الروسي، ويُشخصه كعدوان على الغرب والديمقراطية وليس على أوكرانيا وحدها، ويكرر كثيرًا القول إن أوكرانيا لا تدافع عن نفسها فقط وإنما تدافع عن العالم الحر.

في خطابه أمام مجلس العموم البريطاني بتاريخ 8 مارس، قال الرئيس الأوكراني: «سوف نحارب للنهاية ولن نستسلم ولن نخسر. سوف نحارب للنهاية في البحر والجو وسوف نستمر في الدفاع عن أراضينا مهما كانت التكاليف».

هذا القول ليس قولًا أصيلًا، وهو مقتبس من خطاب ونستون تشرشل المشهور، الذي ألقاه بتاريخ 4 يونيو 1940، والذي قال فيه، عقب رفضه التفاوض مع الألمان: «سنستمر للنهاية. سنحارب في فرنسا، سوف نحارب في البحار والمحيطات، سوف نحارب بثقة متنامية وبقوة متنامية في الجو، سوف ندافع عن جزيرتنا مهما كانت التكاليف». استمر الرئيس الأوكراني في خطابه واقتباسه من الثقافة الإنجليزية. هذه المرة من وليام شكسبير المشهور في مأساة هاملت: «نكون أو لا نكون. كان يمكن طرح هذا السؤال عن مصير أوكرانيا، ولكن الآن هذا السؤال مستبعد تمامًا. الأمر الواضح الجلي أننا سنكون، وسنكون أحرارًا». الغريب في الأمر أنهم أصبحوا يشبهونه بـ«تشرشل»!

استخدم نفس أسلوب الإطراء والمديح في خطابه أمام أعضاء مجلسى النواب والشيوخ الأمريكيين بعدها بأسبوع بتاريخ 16 مارس بقوله مادحًا أمريكا والأمريكيين: «أصدقاءنا الأمريكان.. هناك صفحات مشرقة في تاريخكم يمكن أن تُمكِّنكم من فهم الأوكرانيين. نرجو منكم أن تفهمونا الآن. تذكروا بيرل هاربر في صباح 7 ديسمبر 1941، عندما حجبت الطائرات المهاجمة النور عنكم. تذكروا الحادي عشر من سبتمبر 2001 عندما حاول الأشرار تحويل المدن الأمريكية إلى مناطق حروب عندما هوجم الأبرياء من الجو، وهو ما لم يتوقعه أحد، ولم تستطيعوا منعه. الآن وفي هذه اللحظات تتعرض أوكرانيا لنفس الهجوم يوميًا». وذكّرهم في نهاية خطابه بخطاب مارتن لوثر كينج الشهير الذي قال فيه: «لدىَّ حلم»، غير أنه قال بدلًا عن ذلك: «لديّ حاجة». وأضاف: «أمريكا تقود الحلفاء والشركاء بمنحها لنا كل الإمكانيات والمساعدات المادية والأمنية والإنسانية، التي ستسهم في قدرتنا على الاستمرار في الأيام القادمة».

شاهد أيضاً

الأمل المستحيل لإسرائيل

بقلم: عاطف الغمري – صحيفة الخليج الشرق اليوم- عندما يطرح مركز بحوث أمريكي مؤيد دائماً …