الرئيسية / مقالات رأي / التنافس القطبي بين أميركا والصين سابق لأوانه.. لكنه واضح باتجاهاته

التنافس القطبي بين أميركا والصين سابق لأوانه.. لكنه واضح باتجاهاته

بقلم: د. علي الخشيبان – صحيفة “الرياض”

الشرق اليوم – في عالم اليوم الكل بحاجة إلى علاقات مع الصين ومع أميركا ولن تكون الثقة المفرطة بأي طرف منهما مطلباً استراتيجياً للكثير من الدول كما يخبر المستقبل، ولكن الثقة المتوزانة والحذرة هي المعيار القادم للعلاقات الدولية مع كليهما، لأن المنافسة بين أميركا والصين هي منافسة طبيعية تتحكم فيها العوامل الاقتصادية والقوة العسكرية، ولكن يجب الحذر من تقييم الموقف الصيني الأميركي بالحرب الباردة، فالدولتان لا تفصلهما أيديولوجيا متناقضة فهما ينتميان إلى ذات النظام الاقتصادي مع تعديلات صينية طفيفة، ولكن ذلك لا يعني أن النظامين لا يشعران بتهديد أحدهما للآخر.

ومع أن الموضوعات العسكرية والتقاسم الجيوسياسي موضوعات مهمة ومتداولة بين مسؤولي الدولتين سياسياً وإعلامياً، إلا أن الأمر أبعد من تلك الصورة لأن أميركا والصين في هذه المرحلة وخاصة خلال الأزمة الروسية الأوكرانية هما أشبه ما يكونان بمتنافسين في مسبح أولمبي تفصلهما مسارات واضحة تحدد مساحة كل منهما ومساره من البداية وحتى النهاية، ودخول أي منهما على مسار الآخر سيعني خروجه من التنافس لأن النتائج ستكون مدمرة، الصين تركز اهتمامها في الأعمال الاقتصادية ولا تبدى أي حماسة تتعلق بأي نوع من الأعمال العسكرية، لذلك لا نسمع ولا نرى إقدام الصين على بناء أي شكل من التحالفات لأن الاستراتيجية الصينية تعتمد الشراكات، كما أن الصين لا تعطي لأي من شركائها ضمانات أمنية، وفي ذات الوقت فإن التاريخ الأميركي قام على تحالفات ودائماً ما يتم تعريف العلاقة مع واشنطن من منطلقات أمنية.

الصين وأميركا سيحاربان بعضهما ولكن من دون الدخول في معركة، وهذا يعني أن المصطلح المناسب للاستخدام لوصف ما يجري بين الصين وأميركا هو التنافس، وهذا يعني أن الأدوات المستخدمة بعيدة كل البعد عن العسكرة، ولكنها سوف تتجه نحو تقوية التنافس ابتداء من الداخل حيث تشهد المرحلة منافسة حول فرض القيم التي يؤمن بها كل طرف وهذا ما يفسر المبالغة الشديدة التي تتخذها إدارة بايدن حول نشر القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات الفردية، وكل هذه المسارات طغت بشكل كبير وعرّضت حتى المصالح الأميركية وتحالفاتها لأزمات انعكست عليها وأصبح من السهل مشاهدتها خلال الأزمة الروسية الأوكرانية ولم يستطع الإعلام الأميركي أن ينال من الصورة الروسية في حربها بالقدر الذي كان يفعل أيام الاتحاد السوفيتي. الصين في الجانب الآخر تبحث في ذات الاتجاه ولكن بطريقتها الخاصة، فالصين تروج لفلسفة الطريقة والأسلوب الصيني في كل قضاياها الداخلية والدولية، فهي ترغب في ترويج الطريقة الصينية في الحقوق والأفكار والحكم.. إلخ من القضايا، بعيداً عن نشر أي شكل محدد من الأيديولوجيا، وقد ظهر التوجه الصيني بشكله المباشر في المكالمة التي جرت الجمعة الماضية بين الرئيسين الأميركي والصيني، الرئيس الصيني بدا واضحاً أنه يستخدم أوراق اللعبة ذاتها، التي كانت أميركا تستخدمها في مثل هذه الأزمات، عبر التركيز على وقف الحرب وحماية المدنيين، ليس هناك من شكوك بأن النضج الصيني في إدارة القضايا الدولية ذات الطابع العسكري يتطور.

أميركا تبحث عن مساعدة في ضبط النفوذ الصيني في مناطق كثيرة من العالم ولعل أهم هذه المناطق الشرق الأوسط حيث الأزمات الدولية الكبرى وفي ذات الوقت تمتلك هذه المنطقة الحلول الدولية الكبرى في قضايا الطاقة وقضايا جيوسياسية مهمة لكل من الصين وأميركا، فأميركا وفي ظل استمرار الأزمة الروسية الأوكرانية تشعر بالإرهاق الفعلي دبلوماسياً وهي تحاول أن تتواجد في منطقة الشرق الأوسط حيث الفرص الكبرى لممارسة الصين نفوذها، وفي ذات الوقت تكثف الصين من صورتها في الأزمة الأوروبية الروسية لمضاعفة الإرهاق الدبلوماسي الأميركي الذي يسعى إلى التوصل لاتفاق سريع مع إيران يضبط إيقاع المنطقة ويسهل الحركة الأميركية بين دول الشرق الأوسط بينما تمتد يد روسية وصينية في خفايا هذا الاتفاق.

أميركا والصين تدخلان تجربة صعبة ومهمة خلال الحرب الروسية الأوروبية، ولكنها فاعلة في تحديد الاتجاهات الدولية وخاصة بعد دخول الطرفين التنافس الدقيق في القضية الروسية الأوكرانية، ومن الواضح أن الصين لا تحمل أثقالاً سياسية كالذي تحمله أميركا وهو ما يبدو على صورتها، فالسياسة الأميركية وحتى الأوروبية تبدو في الواقع منهكة وقلقة من التاريخ والجغرافيا إلى حد كبير بعد شهر واحد فقط من الأزمة، في المقابل يبدو أن الصين تصطاد على الشاطئ الأوروبي بكل ارتياح دون عناء سياسي، حتى وإن حاولت أميركا أن تهددها بعقوبات تجارية لأنه في لحظة مفاجئة تتغير فيها قواعد اللعبة في الحرب ولن يكون بإمكان أميركا الحديث عن عقوبات توزع بكثافة دون وعي مستقبلي.

شاهد أيضاً

مسعى ميلوني الأخير في تونس

بقلم: أحمد نظيف- النهار العربيالشرق اليوم– قبل حضورها اجتماع المجلس الأوروبي الأربعاء المقبل في بروكسل، …