الرئيسية / مقالات رأي / الحرب الأوكرانية وتأثيرها على أمننا الغذائي

الحرب الأوكرانية وتأثيرها على أمننا الغذائي

بقلم: نادر نور الدين محمد – المصري اليوم 

الشرق اليوم – تعاني الدول المستوردة لأغلب غذائها من تقلبات الأسواق العالمية لتصدير الغذاء، سواء بسبب الحروب والصراعات أو بسبب الجفاف والقحط وحرائق الغابات أو ارتفاع أسعار البترول وعلاقته الوثيقة بارتفاع أسعار الغذاء أو بسبب مضاربات البورصات لرفع الأسعار أو تقليص الدول المصدرة لمساحات زراعات الحبوب لرفع الأسعار.

لذلك تلجأ الدول المستوردة للغذاء إلى محاولة زيادة إنتاجها من الغذاء دوريًا بمشروعات التوسع الزراعي كلما تيسر لها المياه اللازمة للري والأراضي القابلة للزراعة والأموال اللازمة لوضع البنى التحتية، كما يلجأ بعضها إلى استئجار أو تملك الأراضى الزراعية في بلدان الوفرة الزراعية في إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية وكندا، خاصة تلك التي لا تضع قيودًا على تصدير المنتجات الزراعية منها، والتي تعطي تسهيلات للمستثمرين وتضم موانئ جيدة ومسؤولين لا يضيعون أوقاتًا طويلة في الأمور اللوجستية وزمن الشحن.

وعادة ما تُؤمّن الدول المستوردة للغذاء احتياجاتها من عدة مناشئ بشكل متوازن ولا ترتمي في أحضان منشأ بعينه قد يكلفها الكثير عند دخوله في حرب أو تضرره من الجفاف وعدم هطول الأمطار التي تعتمد عليه الزراعة في كل البلدان المصدرة للغذاء، أو يصدر منها قرارات بحظر التصدير كما حدث من روسيا عام 2011 بسبب حرائق الغابات والجفاف الذي ضرب محصول القمح، فأوقفت روسيا تصديره مما تسبب في أزمة لأغلب الدول العربية ومصر، ولكن تم اللجوء إلى المناشئ الأخرى والتي ساعدها عدم وجود نقص في الإنتاج العالمي حينذاك، ولكننا بالتأكيد تكبدنا أسعارًا أعلى بسبب الاعتماد على المنشأ الواحد، ولكن يبدو أننا لم نستوعب هذا الدرس.

أحسن مجلس الوزراء حين اتخذ قرارًا بتنوع وتعدد مناشئ استيراد القمح والحبوب ومختلف صنوف الغذاء وعدم الاعتماد على منشأ وحيد، حيث كانت مصر ومعها أغلب الدول العربية، خاصة المطلة على البحر المتوسط منها، تعتمد على المنشأ الروسي – الأوكراني في استيراد من 80 – 90% من احتياجاتها من القمح والذرة الصفراء للأعلاف وزيوت الطعام والأسماك الماكريل.

وأدت الحرب القائمة بين روسيا وأوكرانيا إلى إغلاق الموانئ الأوكرانية وتوقف التصدير منها، وفي نفس الوقت اعتبار شركات الشحن البحرى أن الموانئ الروسية مناطق صراعات وحرب ما أدى إلى وضع بدل مخاطر وزيادة رسوم التأمين على السفن لكونها ستبحر في مناطق حرب تعرضها للخطر، وفي هذا تكاليف إضافية على تعاقدات الاستيراد من روسيا وأيضًا تعاقدات التصدير إليها من موالح وبطاطس وبصل ومواد مصنعة.

فطبقًا لبورصة شيكاغو للحبوب استوردت مصر في العام الماضي نحو 13 مليون طن من القمح نصفها للقطاع الحكومي لتصنيع الرغيف المدعم، ونصفها للقطاع الخاص لتصنيع المكرونة والرغيف الحر والمخبوزات الإفرنجية والحلويات والدقيق وغيرها، منها 80 – 90% من المنشأ الأوكراني – الروسي، وبالمثل أيضًا استوردنا من نفس المنشأ أغلب احتياجاتنا من نحو 10.5 مليون طن من الذرة الصفراء لتصنيع الأعلاف النباتية للدواجن والمواشي، ومعهما الزيوت النباتية لعباد الشمش وفول الصويا والأسماك، وبالتالي تسببت الحرب الروسية – الأوكرانية في توقف جميع الواردات من أوكرانيا وارتفاع أسعار البعض الآخر المستورد من روسيا والتى لم تغلق موانيها واستمرت في التصدير ولكن مع زيادة في أسعار الشحن والنقل البحري والتأمين وزيادة بدل مخاطر على سفن الشحن.

وكنا في الماضي وحتى عام 2010 نقوم بالتوازن المطلوب عند استيراد مختلف صنوف الغذاء، خاصة الحبوب وزيوت الطعام والسكر من مختلف المناشئ، حيث كنا المستورد الأكبر من القمح الأمريكي مع كميات متوازنة من أستراليا وفرنسا وكندا والأرجنتين ورومانيا والمجر وروسيا وأوكرانيا وغيرها، بما يضمن لنا التوازن المطلوب معها جميعها وحسن العلاقات.

هذا الأمر تبدل منذ سنوات مع منح صلاحيات أكبر للقطاع الخاص لاستيراد القمح والحبوب وتوريدها إلى هيئة السلع التموينية الذي ارتكن إلى المنشأ الروسي – الأوكراني ومعهما كازاخستان بسبب انخفاض أسعارها عن أسعار الغرب قليلًا، بالإضافة إلى سرعة وصول الشحنات إلى مصر في غضون عشرة أيام بينما تستغرق 24 يومًا للوصول من الولايات المتحدة ونحو 28 يومًا من الأرجنتين، ولكن هناك أيضًا مناشئ فرنسا وأستراليا ورومانيا والمجر، والتي تصل منها الشحنات خلال عشرة أيام فقط مثل مناشئ روسيا وأوكرانيا.

تنوع الاستيراد من مختلف مناشئ الحبوب والغذاء كان يضمن لنا حسن توجيه سفن الشحن القادمة بالأغذية إلى مختلف موانئ مصر على البحر المتوسط وعلى البحر الأحمر دون الحاجة إلى دفع رسوم لعبور قناة السويس ذهابًا وإيابًا، وفي نفس الوقت نخصص ميناء سفاجا على البحر الأحمر لتسلم احتياجات محافظات جنوب الصعيد من مختلف صنوف الغذاء القريبة منها بما يقلل من تكاليف النقل البري، وأيضًا تخصيص ميناء السويس لتسلم واردات الغذاء اللازمة لمحافظات مصر الوسطى القريبة منها، مع تخصيص موانئ البحر المتوسط في الإسكندرية والدخيلة ودمياط وبورسعيد لوصول شحنات الغذاء المستوردة والخاصة بمحافظات الدلتا كثيفة السكان وحتى محافظتي القاهرة والجيزة.

الاستيراد من المنشأ الروسي – الأوكراني – الكازاخستاني الذي تتصل موانيه بموانئ البحر المتوسط فقط أفقدنا هذا التوازن في وصول السفن إلى جميع الموانئ المصرية، وتقليل نفقات الاستيراد، وزاد من تكاليف النقل البري الداخلي من موانئ البحر المتوسط لتصل إلى محافظات وسط وجنوب الصعيد، أو أن نلجأ إلى عبور السفن لقناة السويس لنسدد رسوم عبور ذهابًا وإيابًا للسفن بما يرفع من تكاليف الاستيراد، وبالتالي يرفع من أسعار السلع المستوردة الأساسية لدى المواطنين أو يرفع من قيمة الدعم الذي تتحمله الدولة لإنتاج الرغيف من القمح المستورد أو على زيوت الطعام والسكر المستورد لصالح سلع البطاقات التموينية.

تنوع مناشئ استيراد الحبوب والغذاء له فوائد اقتصادية كبيرة، سواء على المواطن أو على الأسعار أو على تنشيط عمل كل الموانئ المصرية، وفي نفس الوقت تجنب مخاطر الحروب والجفاف أو تراجع الإنتاجية والحفاظ على علاقات متوازنة مع مختلف الدول المصدرة للغذاء في العالم.

شاهد أيضاً

أميركا إذ تتنكّر لتاريخها كرمى لعينيّ نتنياهو

بقلم: راغب جابر- النهار العربيالشرق اليوم– فيما تحارب إسرائيل على أكثر من جبهة، تزداد يوماً …