الرئيسية / مقالات رأي / العرب والحرب… وظل المحارب!

العرب والحرب… وظل المحارب!

بقلم: محمد صلاح- النهار العربي

الشرق اليوم- متأثرون نحن العرب بالحرب الروسية – الأوكرانية، نعم فالحدث عالمي، وما بين حرب عالمية ثالثة قد تتسبب في فناء البشر والحجر، وبين مفاوضات بين طرفي الحرب، وظلالهما، نتابع ونراقب وننتظر، نحاول التعاطي مع الضغوط ورغبة أطراف الحرب في إدخالنا طرفاً إضافياً ولو عبر بيان أو تصريح صحافي أو بدعم لوجستي أو دخول دائرة العقوبات المفروضة على روسيا أو تجاهل العقوبات وعدم الاعتداد بها.

نعم موقف صعب، خصوصاً أن تجارب الماضي رسخت لدينا الاعتقاد بأننا يمكن أن ندفع في النهاية ثمن مصالحة ما قد تحدث في وقت لاحق بين المتصارعين، أو نكون ضحايا تغيرات قد تحدث في الجغرافيا كنتيجة للحرب وقرباناً لوقفها!

حسابات معقدة فرضت على قادة الدول العربية الحرص مع كل تصريح أو بيان أو رد فعل على حدث له علاقة بالحرب أو مصالح أطرافها حتى لا يأتي اليوم الذي يصبح فيه العرب ظلالاً للمتحاربين الحقيقيين. فقد تنتهي الحرب وقد أفرزت نتائجها حقائق لم تكن معلنة أو تلاشت ملامحها خلف دوي الانفجارات وكثافة الدخان، فحسابات أخرى قد تكون غير معلنة  للإمبراطورية الروسية القديمة أو عالم الغرب الذي تخلص قبل عقود من الاتحاد السوفياتي وتصور أنه قضى على عدو تقليدي، فإذا بالحرب الروسية – الأوكرانية تفاجئه بظلال الإمبراطورية القديمة تطل من جديد وكأنه يتابع فيلماً سينمائياً قديماً وجد احداثه تتكرر على أرض الواقع ولو في أماكن أخرى وشخصيات جديدة.

صحيح أن رحى الحرب تدور بعيداً من المنطقة العربية، لكن ظلال تأثيراتها تمتد لتشمل العالم، والمؤكد أن الأزمة ستمر ولو بعد سنوات، وبعدها ستهدأ أصوات الانفجارات وسيتلاشى الدخان وسيظهر من لعبوا أدوارًا في الظل، سواء بين أطراف الحرب أم هؤلاء الذين تابعوها من بعيد وعجزوا، بحكم تلاحق احداثها ووطأة نارها، أن يرقبوا ما خلف الظلال.

هنا يقفز فيلم المخرج الياباني أكيرا كوروساوا “ظل المحارب” أو “كاجيموشا” باللغة اليابانية، الى الأذهان. صحيح أن قصة الرواية تكررت في أعمال درامية أخرى لكن فيلم كوروساوا أظهر تفاصيل الحرب وخلفياتها وما لا يظهر للمتابعين أو المراقبين لنارها من بعد.

نال الفيلم جائزة السعفة الذهبية عام 1980. ويُصور حقبة من تاريخ اليابان حيث القبائل المتحاربة والصراعات الحربية التي انتشرت في اليابان من القرن الخامس عشر وحتى بداية السابع عشر؛ وتعرض للقائد شينجين، وهو زعيم إحدى القبائل اليابانية في تلك الفترة، والذي عرفه سيناريو الفيلم بأنه راسخ كالجبل من فرط قوته وتمتعه بكاريزما تؤثر بشدة في جنوده إذ ظهر حكيماً نبيلاً صارماً قوياً، كانوا يعتبرونه قائداً عظيماً ولا يتصورون أو يتخيلون خوض حرب من دونه، فهو الذي يرسم الخطط ويرهب الأعداء ويتوقع سلوكهم ويوقعهم دائماً في براثن الهزيمة، وهو أيضاً يقاتل بنفسه ولا يعتمد فقط على جنوده وضباطه فيذهلهم قبل أن يذهل الأعداء، لكن لأن في الحرب كل مشارك معرض للإصابة أو الموت فهذا ما جرى؛ فالقائد المنتصر دائماً شينجين تمكن من حصار قلعة الأعداء وخلال أحد أيام الحصار وفي انتظار استسلام الأعداء توجه الى القرية للاستماع الى عازف للناي؛ وبينما الحراس غافلون أو منشغلون معه بالاستمتاع بالعزف تمكن قناص من الجيش المعادي من إصابته بسهم قاتل. لكن قبل أن يموت، أمر القائد الحكيم رجاله بإخفاء الخبر عن جيشه حتى لا تتأثر عزيمة ضباطه وجنوده في الحرب، فتنتهي بهم الحال بالهزيمة.

هنا جاء دور المهرج البسيط ليلعب دور البديل للقائد العظيم؛ وقام الجنرالات بتدريبه ليقوم بالدور من دون أن يشكك فيه أحد؛ ونجحوا في تدريبه ولكنهم حذروه من شيء واحد وهو ألا يحاول أن يمتطي جواد القائد، لأنه لو استطاع خداع الإنسان فلن يستطيع خداع الحيوان، وبخاصة الجواد الخاص بالقائد. تعلم البديل أو، كل شيء عن القائد الى حد أنه استطاع أن يخدع الجميع حتى حفيده الصغير وجميع قادته وجنوده وحراسه الشخصيين؛ وتدريجياً بدأ يستقر في دوره الجديد، ويرأس جلسات مجلس الحرب ويعطي آراءه في الشؤون العسكرية؛ ويقود الجيش من بعيد، حيث لا يظهر إلا ظلّه، في معارك حاسمة، ويساعد جنوده على إحراز انتصارات كبيرة.

نجح ظل المحارب في المهمة، وقام صاحبنا بدور القائد العظيم وانتصر في معاركه، ولكن المأساة تجسدت عندما امتلأ بالثقة بالنفس، فتصور أنه القائد العظيم بالفعل، ودفعه طموحه، أو غروره، لأن يمتطي جواد القائد، وهنا سقط القناع وظهر على حقيقته، لأن الجواد أدرك أن من امتطاه ليس هو القائد، فأسقطه على الأرض وكشف السر وعرف العدو الحقيقة، توالت الهزائم فكانت نهاية جيش القائد العظيم، ونهاية لظل ذلك المحارب الذي قتل في المعارك بالرغم من شجاعته، ليدفع، وبلده، ثمن غياب الحرص وعدم التزامه المهمة التي حددت له.

ليس من الحكمة أن يقبل أي طرف عربي لعب دور الظل في حرب لسنا طرفاً مباشراً فيها، ليس فقط لأنها بعيدة أو أن المتصارعين فيها لهم أنيابهم التي نهشت لحومنا في فترات سابقة، أو خشية إجراءات انتقامية من أحد طرفيها، أو كلاهما، بعد نهايتها، فليس ببعيد أن تكون لتلك الحرب ظلالها التي تخفي الآن ما خلفها وحين تختفي ينفضح من اعتقد أن الحقيقة ستضيع حين تخمد النار ويختفي دخانها.

شاهد أيضاً

روسيا التي لا تساند أحداً… علاقة غير عادلة مع إيران

بقلم: يوسف بدر – النهار العربي الشرق اليوم– في مقالته في صحيفة “وول ستريت جورنال” …