الرئيسية / مقالات رأي / هكذا تغيّر العالم في أيام!

هكذا تغيّر العالم في أيام!

بقلم: أسعد عبود – النهار العربي

الشرق اليوم- الاندفاع العسكري الروسي في أوكرانيا، بصرف النظر عن النجاحات التي يحققها أو العثرات التي يواجهها، لن يتوقف إلا بثمن جيوسياسي كبير، بدأت ملامحه ترتسم بتلك التحولات الكبرى التي بدأت تفرض نفسها واقعاً فعلياً على الأرض فقط بعد عشرة أيام من بدء العمليات العسكرية.

ويمتد السباق الروسي – الغربي على أوكرانيا مباشرة إلى الفترة التي استقلت فيها البلاد عن الاتحاد السوفياتي عام 1991. وفي التسعينات من القرن الماضي كانت تتأرجح البلاد في علاقاتها بين موسكو وواشنطن. وأصلاً لم تكن روسيا تملك في تسعينات القرن العشرين مقومات المطالبة بأن لا تكون أوكرانيا دولة تدور في الفلك الغربي.

وكانت إنتفاضة “الميدان” التي أطاحت الرئيس فيكتور يانوكوفيتش عام 2014، نقطة مفصلية في السباق على أوكرانيا. فقد رد بوتين على قيام نظام موالٍ للغرب ومعادٍ لموسكو، بضم شبه جزيرة القرم وبدعم إنفصاليي منطقة الدونباس في شرق البلاد. ولا يغيب عن البال أن الولايات المتحدة ودولاً أوروبية عملت على تدريب الجيش الأوكراني على عقيدة قتالية جديدة شبيهة بالجيوش الأوروبية. وهذا ما يفسر الصعوبات التي تواجهها القوات الروسية في تقدمها. إن أوكرانيا كادت تكون فعلاً دولة أطلسية من دون إعلان رسمي.

وما يحدث الآن هو أن هدنة السنوات الثماني قد سقطت وأستؤنفت الحرب على نطاق واسع. وأحدث ذلك صدمة في أوروبا التي كانت تراهن على أن بوتين لن يدخل أوكرانيا وأن الحشد العسكري على حدودها، إنما هو مجرد ورقة ضغط للحصول على تنازلات من أمريكا وحلف شمال الأطلسي.

وعلى وقع الصدمة، سارع الأوروبيون إلى إعلان النفير وأمطروا روسيا بشتى أنواع العقوبات الاقتصادية والمالية والثقافية والرياضية وهم يضغطون الآن على الصين والهند أكثر مما تضغط عليهما الولايات المتحدة كي يخرجا عن حياديتهما وينضما إلى أوروبا في مواجهة روسيا.

في فترة أيام توحدت أوروبا كما لم تتوحد من قبل إزاء أي حدث عالمي منذ تأسيس الاتحاد الأوروبي. والممثل الأعلى للاتحاد للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل يدعو إلى عدم الاكتفاء بإرسال صواريخ إلى أوكرانيا وإنما مقاتلات أيضاً. وحتى رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان الذي كان يُحسب في معسكر المقربين من بوتين، يدعو الاتحاد إلى “موقف إستراتيجي”.

تعسكرت ألمانيا وأقرت موازنة حربية ضخمة فاقت المئة مليار يورو مبدئياً ومددت عمل مفاعلاتها النووية، وحدث تغيير جذري في التفكير الألماني حيال روسيا… والبحث جارٍ عن بديل للغاز الروسي لتسيير الآلة الاقتصادية الألمانية التي يفترض أن تلبي متطلبات الحرب أيضاً.

لا تقف الأمور عند هذا الحد. هناك مطالبات متزايدة في السويد وفنلندا الحياديتين، كي تنضم الدولتان إلى الأطلسي. وحتى سويسرا فرضت عقوبات على روسيا وأعلنت عزمها إرسال صواريخ إلى أوكرانيا. دول أخرى، أبدت استعداداً لإرسال متطوعين للقتال إلى جانب الجيش الأوكراني.

ولا يعبأ الأوروبيون أيضاً بالمفاعيل العكسية للعقوبات “المدمرة” لبلدانهم وليس فقط لروسيا، من إرتفاع أسعار الطاقة ودفع التضخم إلى مستويات قياسية، ما يدل إلى ضراوة المواجهة الجارية وارتقائها إلى مستوى غير مسبوق.

كل ما يفعله الأوروبيون ومعهم الولايات المتحدة هو رفع كلفة الغزو الروسي لأوكرانيا، أكثر من البحث عن حلول دبلوماسية. هم يعتبرون أن سقوط أوكرانيا يعني أنهم أصبحوا وجهاً لوجه مع روسيا.

الغرب يتهم بوتين بأنه يخوض حرب “استعادة الإمبراطورية”، وأنه يريد أن يجعل أوكرانيا على غرار بيلاروسيا دولة مطواعة تدور في الفلك الروسي.

فرضت الحرب في أوكرانيا تغييراً يجتاح كل منطقة أوراسيا على نحوٍ لم تشهده منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. روسيا تغيّرت وأوروبا كذلك بينما أمريكا تشحن جنودها ومعداتها نحو أوروبا، على غرار ما فعلت في الحربين العالميتين الأولى والثانية، مع فارق أن الوجهة هذه المرة ليست ألمانيا وإنما روسيا.

وهذا ما جعل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يقول إن “الآتي سيكون أسوأ”.

شاهد أيضاً

إنصاف «الأونروا»

بقلم: وليد عثمان – صحيفة الخليج الشرق اليوم- لم تكن براءة وكالة الأمم المتحدة لغوث …