الرئيسية / مقالات رأي / أمريكا تعود ولكن إلى متى؟

أمريكا تعود ولكن إلى متى؟

بقلم: راشيل ميريك – اندبندنت العربية

الشرق اليوم- لفت الرئيس جو بايدن في أول كلمة له أمام جلسة مشتركة للكونغرس في 28 إبريل (نيسان) 2021، إلى عبارة تكررت في كل المحادثات التي أجراها مع قادة العالم منذ باشر مهامه الرسمية في يناير (كانون الثاني) 2021، وجاء فيها “نرى أن أمريكا تعود، لكن إلى متى؟”. ويعد هذا الشك من جانب رؤساء دول أخرى رداً مباشراً على حوادث الماضي القريب. فقد اعترضت واشنطن بشدة، في عهد الرئيس دونالد ترامب، على عشرات الاتفاقات والمؤسسات الدولية أو انسحبت منها نهائياً، بما في ذلك “اتفاق باريس للمناخ” و”الشراكة عبر المحيط الأطلسي”، و”الاتفاق النووي الإيراني”، و”منظمة الصحة العالمية”.

في المقابل، تذهب المخاوف بشأن طبيعة التزامات أمريكا وطول أمد تلك الالتزامات، إلى أبعد من إرث ترامب في الخارج. وتصدر عن حلفاء أمريكا أيضاً ردود فعل على سياساتها الداخلية، خصوصاً على الشرخ الحزبي الذي يمضي حالياً إلى مستويات أعمق وأشد رسوخاً، الأمر الذي يخلق مقداراً من عدم اليقين بشأن مستقبل السياسة الخارجية الأمريكية. وهكذا لاحظ غرو هارلم، رئيس وزراء النرويج السابق في سياق تأمله السياسات السائدة التي يطغى عليها الاستقطاب في الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2020، أن عديداً من الزعماء الأوروبيين “لن يسلموا بعد اليوم بأن في وسعهم الوثوق بالولايات المتحدة، حتى حين يتعلق الأمر بأشياء أساسية”.

إن هذه المخاوف في محلها. وعلى الرغم من أن السياسة الخارجية تبقى في العادة في معزل عن الاستقطاب السياسي، فإن الأمر لم يعد كذلك. ويبدو الأمريكيون حالياً منقسمين أكثر من أي وقت مضى حول قضايا مثل النظام الدولي المتعدد الأطراف، والتغير المناخي، والإرهاب. وتتراجع باطِّراد مكانة السياسة الخارجية التي تحظى بمباركة الحزبين في أوساط الناخبين، ومن يُنتخبون من السياسيين أيضاً. لكن الأسوأ من ذلك هو أن الاستقطاب قد أدى إلى عواقب أوسع نطاقاً، يجري التقليل من أهمية تأثيرها على مقدرة الولايات المتحدة في تفعيل سياسة خارجية في المقام الأول. ويلعب الاستقطاب هذا الدور الخطير لأنه يقود إلى تقويض ركيزة أساسية من ركائز السلطة الأمريكية المتمثلة في سمعتها كدولة تتمتع بالاستقرار والمصداقية والموثوقية.

الميزة الديمقراطية

لقد أدرك الباحثون في مجال العلاقات الدولية منذ وقت طويل أن الديمقراطيات تتمتع بميزات عدة حين يتعلق الأمر بهندسة السياسة الخارجية. يعود ذلك إلى أسباب منها أن الديمقراطيات تتسم بالاستقرار. حينما تجري إطاحة الزعماء في الأنظمة الاستبدادية بطرق غير منتظمة، عن طريق ثورات أو انقلابات عسكرية مثلاً، فإن التغيير في القمة غالباً ما يفتح الباب على تقلبات وتبدلات دراماتيكية في سياسة البلاد الخارجية. وعلى عكس ذلك، يجري تداول السلطة في الديمقراطيات ضمن انتخابات منتظمة، وتبقى السياسة الخارجية في المرحلة الجديدة منسجمة إلى حد بعيد مع صيغتها السابقة خلال انتقال السلطة من حزب إلى آخر.

وفيما يتزايد الاستقطاب السياسي الداخلي، يتمدد الصراع الحزبي على الأرجح، فيطاول السياسة الخارجية. وتبقى السياسة الخارجية في الولايات المتحدة، أقل استقطاباً من نظيرتها الداخلية. لكن، تبين استطلاعات الرأي العامة ونماذج من سجلات تصويت النواب بنعم أو لا في الكونغرس، تباعداً متزايداً بين تفضيلات الديمقراطيين من جهة والجمهوريين من جهة ثانية، بصدد الشؤون الخارجية. وإذ تزداد خيارات كل منهما تصلباً، يجب على المرء أن يتوقع حصول تحولات أكثر دراماتيكية في السياسة الخارجية حين يتغير الحزب المهيمن في البيت الأبيض.

في المقابل، لا يعود عدم استقرار السياسة الخارجية إلى مجرد تباين الخيارات التي يفضلها الحزبان بشأن قضايا هذه السياسة، بل يسهم في اضطرابها وتقلبها أيضاً وجود ميل متزايد لدى بعض الناس إلى كره الحزب الآخر، أو ما يسمى بـ “حزبية سالبة” (حين يتخذ الناخب موقفه لمجرد أن يكون مخالفاً للحزب الخصم، وليس بناء على سياسات حزبه). ويوفر هذا الشعور للقادة حوافز كافية لتفكيك سياسات أسلافهم من الطرف الآخر. وإذ وصف بعضهم أجندة سياسة الرئيس ترامب الخارجية بأنها “مُفَكَّكَة” لا تنسجم عناصرها مع بعضها بعضاً، وتفتقر إلى أي رؤية استراتيجية كبرى، فمع ذلك كان ثمة خيط يشد أجزاء أجندته معاً، يتمثل في تفكيك إنجازات الرئيس باراك أوباما.

وإذ اتخذ ترامب موقع “عدو أوباما” في ميدان الشؤون الخارجية، فقد سارع إلى التراجع عن سياسات سلفه المتعلقة بالهجرة، والتجارة، والمناخ، بل أبطلها كلها.

في سياق مواز، تتفوق الأنظمة الديمقراطية على نظيراتها الاستبدادية بميزة أخرى تتصل بالمصداقية. وباعتبار أن القادة الديمقراطيين لا يتمتعون بمطلق الحرية، بل ثمة قيود مفروضة عليهم محلياً، فهم أقل ميلاً إلى توجيه تهديدات لايريدون المضي في تنفيذها أو تقديم تعهدات لا يعتزمون الوفاء بها. ويعني ذلك في المفاوضات والأزمات الدولية، أن الإشارات والإيماءات التي توجهها الأنظمة الديمقراطية إلى خصومها الأجانب، تكون موضع ثقة أكبر من جانب الأخيرين. وبحسب ما جادل به كينيث شولتز، وهو عالم في السياسة، فإن دعم الحزبين للسياسة الخارجية التي يتبعها زعيم ما، يعد إشارة تحظى بمصداقية خاصة في السياسة الدولية. ومثلاً، تعمد قلة قليلة إلى التشكيك في مدى تصميم الحكومة الأميركية حين يصوت المشرعون من كلا الحزبين لمصلحة إعطاء الإذن للحكومة باستخدام القوة العسكرية ضد خصم ما.

وإذ يتزايد الاستقطاب، فإن مظاهر الشراكة الحزبية في صنع السياسة الخارجية تصبح أقل شيوعاً. وبدلاً من أن تتضافر جهود الحزبين، فإن الحزب الموجود خارج السلطة يسعى إلى تقويض مصداقية الرئيس وإضعاف السياسة الخارجية التي يتبعها، لأن ذلك يعود على هذا الحزب بالمكافأة. في هذا السياق، اتخذ أعضاء الكونغرس الجمهوريون خطوات غير مسبوقة أثناء المفاوضات التي كانت تجريها إدارة الرئيس أوباما بشأن الاتفاق النووي الإيراني، حين أعربوا عن معارضتهم للاتفاق مع طهران. وذهب 47 من هؤلاء الجمهوريين إلى حد توجيه رسالة مفتوحة للقادة الإيرانيين، أوردوا فيها أن البيت الأبيض لا يتمتع بالصلاحية اللازمة لإبرام اتفاق نووي، لذا فهو مضطر بدلاً من ذلك إلى توقيع “مجرد اتفاق تنفيذي”. وفي رده على ذلك، أشار وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى أن الرسالة “تقوض مصداقية الآلاف من الاتفاقات التنفيذية المحضة المماثلة التي أبرمت أو ستُبرم من قِبَل الولايات المتحدة مع حكومات أخرى عدة”.

“يدل دعم الحزبين كليهما للسياسة الخارجية لزعيم ما على مصداقية سياساته الدولية”.

ومن السهل تخيل كيف يمكن لديناميكيات حزبية مشابهة أن تعرقل مفاوضات دقيقة، أو حتى أن تعيق زعماء من المضي في مفاوضات معقدة أو طموحة في المقام الأول. وفيما تدرس الإدارة الحالية كيفية المضي قدماً في التفاوض مع إيران في شأن الاتفاق النووي، ليس من المستغرب على الإطلاق أن يكون الرئيس بايدن ميال إلى عدم الكشف عن أوراقه. وبطبيعة الحال، فإن ذلك سيؤدي بالتأكيد إلى مزيد من غياب الثقة بين البيت الأبيض وخصومه في الكونغرس.

وفي السياق نفسه، تتمتع الديمقراطيات بميزة ثالثة تتمثل في نزوعها إلى الالتزام على نحو أفضل من الأنظمة الاستبدادية، بالاتفاقات الدولية والامتثال لها، ما يجعل الديمقراطيات موضع ثقة أكبر كحلفاء وشركاء. وعلى الرغم من وجود استثناءات، تجعل عمليات المصادقة المحلية مسألة التخلي عن الالتزامات العالمية أكثر صعوبة بالنسبة إلى الديمقراطيات. وقد أظهرت ليزا مارتن، وهي عالمة في السياسة، أنه حين يشارك المجلس التشريعي لبلد ما في مفاوضات دولية، فإن ذلك البلد يكون أكثر ميلاً لتطبيق الاتفاق الذي تتمخض عنه تلك المفاوضات. وإذ اتخذت مارتن من حالة الاندماج الأوروبي مثلاً، فقد وجدت أن البرلمانات التي دخلت على خط عملية مفاوضات الاتحاد الأوروبي في مراحلها الأولى، نفذت تعليمات الاتحاد بشكل أفضل، بصرف النظر عن شكوكها الأولية إزاء الاندماج.

ومع ذلك، يصبح من الصعب تحقيق الإجماع اللازم بين الحزبين للمصادقة على الاتفاقات في الديمقراطيات التي تشهد استقطاباً شديداً. يُشار إلى أن الجمود الحزبي في الولايات المتحدة الأميركية حيث تتطلب عملية المصادقة على الاتفاقات الفوز بأغلبية الثلثين في مجلس الشيوخ، قد أدى إلى انخفاض حاد في عدد المعاهدات الدولية. وحاضراً، بات الرؤساء يتفادون محاولة نيل موافقة الكونغرس من أساسها لكونهم يتوقعون أن يُقابل الاتفاق المطروح بالمعارضة من قِبَل نواب المعارضة لأسباب حزبية بحتة، فيعمدون إلى تقديم التزامات سياسية أو توقيع اتفاقات تنفيذية بديلة مع الدول الأجنبية. صحيح أن هذه الاستراتيجية تتيح للرؤساء اتباع سياساتهم المفضلة، بيد أن ذلك لا يتحقق مجاناً وثمة ثمن لابد من دفعه لقاء هذه الميزة. ويعود ذلك أن الاتفاقات التي لم يصادق عليها الكونغرس تكون ضحية سهلة للتغير من قِبل الإدارات المقبلة إذا شاءت ذلك.

في ذلك الصدد، دعونا نأخذ في الاعتبار التزامات الولايات المتحدة الأخيرة في مجال المناخ. لم يطرح الرئيس أوباما “اتفاق باريس” على الكونغرس لمصادقته، لعلمه مسبقاً بأن الجمهوريين جميعاً (وبعض الديمقراطيين أيضاً) سيعارضون اتفاقاً عن المناخ من هذا النوع. وحين باشر ترامب مهامه الرئاسية، سارع إلى الإعلان على الفور بأن الولايات المتحدة ستنسحب من الاتفاق، وهو قرار ألغاهُ بايدن في اليوم الأول لإدارته. ونظراً للطابع الحزبي الطاغي على سياسة المناخ في الولايات المتحدة، ليس من الغريب أن حلفاء واشنطن يشككون بمدى دوام التزاماتها.

نهاية الوحدة

على نحو متدرج، بات ممكناً تخيل وضع لا يتبنى فيه الحزبان الديمقراطي والجمهوري أولويات سياسة خارجية تتقاطع بشكل متعارض مع بعضها بعضاً فحسب، بل يحافظ فيه كل منهما أيضاً على علاقاته المختلفة مع حلفاء وخصوم أجانب رئيسين. ونظراً إلى أهمية الالتزامات طويلة المدى في صنع السياسة الخارجية الناجحة، فإن سيطرة الحزبين بالتناوب على الرئاسة يمكنها أن تسبب مشكلات كبيرة.

ولئن كان من المستبعد أن تتحقق سيناريوهات من هذا النوع في وقت قريب، إلا أن ثمة مؤشرات مبكرة توحي بما يمكن أن يحصل إذا استمر تعمق الانقسامات الحزبية في السياسة الخارجية. وكي يتضح ذلك، دعونا نتأمل العدسات المختلفة التي ينظر عبرها الديمقراطيون والجمهوريون إلى التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية 2016. ومع أنه كان ينبغي على الحزبين أن يبادرا إلى إدانة التدخل في الانتخابات الذي أفادت تقارير بحصوله، فإن الاستقطاب أعاق إصدار استجابة سريعة منهما. وعلى الرغم من أن الدوائر الاستخباراتية خلُصت إلى نتيجة مفادها بأن روسيا قد حاولت فعلاً ترجيح كفة ترمب في الانتخابات، لا يعتقد بصحة تلك الخلاصة سوى ثلث الجمهوريين.

والحق أنه من الطبيعي أن توجد في مناخ ديمقراطي سليم درجة من الاختلاف الحزبي في شأن كيفية تعاطي الولايات المتحدة مع حلفائها وخصومها. إذ يجب أن تكون السياسة الخارجية للولايات المتحدة موضع تدقيق، وتخضع للنقاش، فيما قد يكون التفاهم والاتفاق بشكل مبالغ فيه بين الحزبين في السياسة الخارجية، مؤشراً على وجود أمراض أخرى. وقد يؤدي التفكير الجماعي في “وكالة الأمن القومي” مثلاً، إلى إبقاء الافتراضات الرئيسة في منأى عن المُساءلة.

“من الممكن أن نتخيل عالماً تحافظ فيه أحزاب مختلفة على علاقات مختلفة مع حلفاء وخصوم أجانب”

ولكن، لا يُرجح أن يكون النقاش بشأن مستقبل السياسة الخارجية الأمريكية بناءً في بيئة تعاني استقطاباً شديداً. ومع تزايد الاستقطاب، يصبح من الصعب التمييز بين الخلاف الصادق لأسباب مدروسة والخلاف الذي يجري التزاماً بسياسات حزبية. ويشعر عديد من المشرعين الجمهوريين بقلق مشروع تجاه سياسة بايدن الخارجية. لكن هذا ليس كل شيء، فثمة حوافز تدفع هؤلاء البرلمانيين إلى اتخاذ مواقف لافتة تعود عليهم بالشهرة والثناء، وعرقلة عمل البيت الأبيض أيضاً، من أجل إرضاء قاعدتهم الشعبية. وسيحمل تزايد الأصوات المتطرفة إدارة الرئيس بايدن على إبداء استعداد أقل لاستمالة المشرعين المعتدلين، والميل بصورة مرجحة إلى عدم السماح للكونغرس بالتدخل في القرارات الرئيسة في مجال السياسة الخارجية. وتعزز هذه الإجراءات التصور بأن الإدارة غير مستعدة لمد يدها إلى الطرف الآخر، الأمر الذي من شأنه أن يرسخ انعدام الثقة المتبادلة بين البيت الأبيض وخصومه الجمهوريين في الكونغرس.

في سياق مغاير، ثمة منظور أكثر تفاؤلاً، تكون وفقه السياسة الخارجية أقل تأثراً بسلوكيات حزبية من هذا النوع. ويلفت علماء السياسة إلى وجود عدد من الفرص للتعاون بين الحزبين بشأن قضايا تبدأ بالدفاع الوطني ولا تنتهي بحقوق الإنسان. ويرى كثير من الخبراء أن المنافسة المكثفة بين الولايات المتحدة والصين تمثل فرصة حاسمة لجسر الهوة الحزبية في واشنطن. في المقابل، تفيد الأدلة بأن أسئلة السياسة الخارجية المهمة لن تبقى خارج ساحة الصراع الحزبي. وقد وجدت شخصياً في سياق البحث الذي أجريته، أن الاستجابات للتحديات المتعلقة بالأمن القومي تاريخياً عبرت عن المستويات الموجودة للاستقطاب داخل البلاد. ويجري في الغالب تسييس أي تهديدات أمنية جديدة حال دخولها بيئة مستقطَبة سلفاً. وفي المرحلة الراهنة، يعني ذلك ترجيح أن تتحول أصعب مشكلات السياسة الخارجية التي يتولد عنها أقوى الإملاءات، إلى مسائل تثير الانقسام بدلاً من أن تكون عامل توحيد.

الاستقطاب إلى الأبد

قد يكون من المغري الاعتقاد بأن بايدن يستطيع التغلب على مشكلة الاستقطاب عبر الإسراع بتنفيذ أجندته في السياسة الخارجية. وفيما يتركز الاهتمام العام على جائحة كورونا والبنية التحتية المتداعية في البلاد، ربما يجادل المرء بأن هذا الوضع يسمح للبيت الأبيض بالتحرك على عجل لإصلاح الخلافات مع الحلفاء وتطوير سياسات أشد صرامة وذكاء ضد خصوم كالصين وروسيا. وباعتبار أنه لايزال هناك مزيد من الوقت قبل استحقاق الدورة الرئاسية الانتخابية في 2024، يُعتقد أن الاستجابات الحزبية لتحرك من هذا القبيل ستكون صامتة أو قصيرة الأمد، ثم لا تلبث أن تخبو.

مع ذلك، لا يكفي هذا النهج في معالجة المشكلات البنيوية الناشئة عن الاستقطاب. وتمنع البيئة السياسة الراهنة صناع السياسة من البحث عن حلول لأهم معضلات السياسة الخارجية على أساس الإجماع الحزبي. وإذا لم تحظ إدارة بايدن بدعم الحزبين، فإنها ستغامر بتسييس أي قرار ناجم عن إجراءات ستتخذها، وبجعله لا يدوم طويلاً. وقد يكون هذا مصير عدد من الأولويات المدرجة في أول خطاب ألقاه بايدن حول السياسة الخارجية في فبراير (شباط) 2021، على غرار توسيع برنامج استقبال اللاجئين، واستثمار مزيد في تحالفات أميركا مع دول أجنبية، وإعطاء الأولوية للتعاون الدولي بخصوص المناخ والصحة العامة.

وفي حين أن الاستقطاب سيشهد كثيراً من المد والجزر مع الدورات الانتخابية، لكنه سيبقى على الغالب سمة ثابتة للسياسة الأميركية المعاصرة. ويعود هذا إلى أن عدداً من العناصر التي تؤدي إلى استدامة الاستقطاب، على غرار الفرز الأيديولوجي بين الحزبين، وتنامي التفاوت الاقتصادي، ووجود البيئة الإعلامية المفككة، والانحدار العام للعادات الحزبية في واشنطن. وسوف لن يتبدد ذلك قريباً.

ثمة سيناريوهات قليلة لن يلحق فيها الاستقطاب المفرط الأذى بالسياسة الخارجية الأمريكية. في المقابل، سيؤدي الاستقطاب، في أقل تقدير، إلى فتح الباب على مزيد من الغموض في الشؤون الخارجية والتسبب في مزيد من الضيق لحلفاء الولايات المتحدة. وإذا حمل الاستقطاب المستمر الولايات المتحدة على التخلي عن خوض مفاوضات معقدة والتراجع عن التزامات موجودة في كل مرة يتسلم فيها حزب جديد مقاليد السلطة، سيكون من الممكن عندها أن يحدق الخطر الحقيقي بسمعة واشنطن كخصم له مصداقية، وحليف جدير بالثقة.

شاهد أيضاً

كيسنجر يطارد بلينكن

بقلم: غسان شربل – صحيفة الشرق الأوسط الشرق اليوم- ذهب أنتوني بلينكن إلى جامعة هارفارد. …