الرئيسية / مقالات رأي / الأزمة الأوكرانية.. وترتيبات “الناتو”

الأزمة الأوكرانية.. وترتيبات “الناتو”

بقلم: طارق فهمي – صحيفة الاتحاد

الشرق اليوم- واهمٌ من يتصور أن التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا سيتوقف عند هذه المساحة الجيو استراتيجية في الجمهورية السوفييتية السابقة.

وثمة إشارات إلى أن روسيا في طريقها لرسم ترتيبات أمنية جديدة في امتدادات أوكرانيا إلى جمهوريات البلطيق، وإلى جنوب المتوسط، وفي اتجاه مناطق التماس الموازية للقوقاز، وهو ما سيفرض معادلة جديدة للأمن القومي الروسي سيتجاوز واقعياً حالة الانحسار الاستراتيجي للدولة الروسية في نطاقها الاستراتيجي.

الواضح أن حسابات القوة الشاملة تعمل لصالح روسيا، وفي الاتجاه لعسكرة السياسة الروسية في مناطق نفوذها، وعدم القبول بأي تنازلات سياسية، أو استراتيجية لا تقتصر فقط على رفض توسيع نطاق حلف الأطلنطي في الوقت الراهن، وعدم ضم دول جديدة تسعى للالتحاق بترتيباته في ظل حالة الانقسام الألماني الفرنسي مع الولايات المتحدة في التعامل مع المخاطر الجديدة التي تواجه الحلف في نطاقه، وفي مناطق الحركة الاستراتيجية، وهو ما يعطي للجانب الروسي الإمكانيات والقدرات للتحرك والعمل بل والتعامل من أعلى، ومن خلال سلم أولويات للأمن القومي الروسي مع محاصرة السياسات الأميركية والغربية في دوائرها التقليدية، واستثمار ما يجري من تجاذبات حقيقية في مواقف الدول الرئيسة، ومنها فرنسا وألمانيا وكلاهما لديهما توجهات تتباين مع الطرح الأميركي في مسألة الترتيبات الأمنية الجديدة للناتو. والخروج الأميركي المهين من أفغانستان فرض مقاربة أميركية داخلية في الكونجرس ومجلس «الشيوخ»، وسيكون له تأثيراته الحقيقية على نتائج التجديد النصفي للكونجرس.

ولهذا فإن الجانب الروسي سيعمد لاختبار الموقف الأميركي والأوروبي، ولن يقدم على تقديم أية تنازلات في خطواته الراهنة والمقبلة، فالتعويل على الخيار العسكري سيكون هو الأساس، مع عدم قطع شعرة معاوية مع الأطراف المعنية، خاصة أن مجلس الأمن يعاني من حالة شلل كامل وموقف القوي المعنية يتغير وفق استراتيجية المصالح الكبرى والصغرى، وهو ما يوظفه الجانب الروسي جيداً، ويعمل عليه من خلال الاستمرار في مخططه وصولاً إلى الهدف الأكبر، وهو تأمين مصالحه العليا في منطقة البحر الأسود، مثلما الحال لمنطقة بحر الصين الجنوبي للصين، والتي تعد منطقة نفوذ كبرى للصين، وهو ما يدركه الجانب الغربي والأميركي. لا يمكن لروسيا أن تقبل بأية تنازلات حقيقية مطروحة منذ بدء العمل العسكري، وبعد أن دارت آلة الحرب، ومن ثم فإن النهج الروسي سيكون محكوماً بضوابط ومعايير متعلقة بالحسم والتصعيد ودفع الأطراف المعنية الأخرى لحافة الهاوية وهو ما يجري بالفعل.

أوكرانيا ستكون من الآن فصاعداً ترمومتر الاستقرار السياسي والاستراتيجي في هذه المنطقة، وهو ما لم يفهمه الغرب جيداً وتباطئ في إدخال جورجيا وأوكرانيا والسويد حلف «الناتو»، وهو ما أكدت عليه أوكرانيا قبل بدء العمل العسكري، وطلبت تحديد موقف القوى الغربية من إلحاقها بحلف الناتو.

والمؤكد أن هذا سينعكس على سائر مواقف الدول الأخرى في شرق أوروبا، والتي تسعى بالفعل للالتحاق بحلف «الناتو» في ظل حالة غير مسبوقة من التردد والارتباك في السياسات الدفاعية، ومهام حلف «الناتو»، وهو ما استثمرته روسيا جيداً في تقييماتها السياسية والاستراتيجية قبل بدء العمل العسكري، ثم قامت بتطويره وتفعيل أدواتها العسكرية بعد أن تمت عسكرة الأزمة والانطلاق لتحقيق الأهداف الاستراتيجية لروسيا في منظومة نفوذها، والتي لن تقبل فيها بخيارات وسطو خاصة أن تفعيل منظومة العقوبات الأميركية والغربية يحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية في التعامل.

والإشكالية ليست في فرض عقوبات على مسؤولين أو مراكز مالية ومصرفية أو طرد روسيا من نظام سويفت العالمي، بل الأمر مرتبط بنهج تفاوضي عام يحدد وبوضوح ترتيبات الأمن الاستراتيجي التي قد تقبل بها روسيا في محيطها الاستراتيجي، وعدم المساس بأمنها القومي. ويبدو أن الولايات المتحدة والقوى الغربية في حاجة إلى إعادة بناء ترتيباتها الأمنية في حلف «الناتو» وخارجه، من أجل الوصول إلى مساحات توافق.. وسيبقى الخيار العسكري الروسي هو الأهم، والمطروح للتوصل لصيغ أمنية جديدة أوروبياً وأميركياً وروسياً.

شاهد أيضاً

أحلام مقتدى الصّدر وأوهام مناصريه

بقلم: فاروق يوسف- النهار العربيالشرق اليوم– عندما يُشفى العراقيون من عقدة اسمها مقتدى الصدر يكون …